الحملة الصليبية الأولى

تعريف

Mark Cartwright
بواسطة ، تمت ترجمته بواسطة Amin Nasr
نُشر في 09 July 2018
X
Robert of Normandy at the Siege of Antioch (by Jean-Joseph Dassy, Public Domain)
روبرت النورماندي خلال حصار أنطاكية
Jean-Joseph Dassy (Public Domain)

الحملة الصليبية الأولى (1095-1102) هي أولى الحملات العسكرية التي شنتها قوات أوروبا الغربية لاستعادة مدينة القدس والأراضي المقدسة من سيطرة المسلمين. أطلق شراراتها البابا أوربان الثاني بعد نداء من الإمبراطور البيزنطي أليكسيوس الأول كومنينوس ، حققت الحملة الصليبية الأولى نجاحًا عسكريًا باهرًا مع سيطرة القوات المسيحية على أورشاليم في 15 تموز / يوليو 1099.

شارك فيها حوالي 60.000 جندي وإنضم إليها لاحقًا حوالي 30.000 عنصر على الأقل من العناصر غير المقاتلة )عائلات ، رهبان ، رجال دين ، وتجار.. إلخ). إنطلقت الحملة عام 1095 ، شُنت غارات عسكرية في أكثر من محل من آسيا الصغرى والشرق الأوسط ، حيث تم استعادة مدن كبرى في شرق المتوسط مثل نيقية وأنطاكية ، بالإضافة إلى الهدف الأسمى المتمثل بمدينة أورشاليم (القدس). سيتبع الحملة الصليبية الأولى ، عدة حملات أخرى ، وستتفرع أهداف جديدة من كل حملة وعند نهايتها، كما وستتسع رقعة العمليات الحربية لتصل إلى مدينة القسطنطينية نفسها لاحقًا.

أسباب الحملة الصليبية الأولى

كان أول وأهم تطور جيوسياسي ، والذي أدى لإشعال فتيل الصراع المتمثل بإنطلاق العمليات الحربية مع الحملة الصليبية الأولى هو الصعود الكبير لدولة السلاجقة المسلمين. المسلمون السلاجقة هم تجمع قبائلي من قبائل الترك ، موطنها الأصلي سهوب وسط آسيا. سجل السلاجقة انتصارات مهمة في آسيا الصغرى ضد الجيوش البيزنطية ، ولا سيما في معركة ملاذكرد في أرمينيا القديمة في آب / أغسطس من العام 1071م. ونتيجة لذلك ، سيطروا على مدن ذات أهمية مثل إديسا وأنطاكية ، وبحولي عام 1078 م ، أسس السلاجقة دولتهم ، سلطنة الروم ، وإتخذوا من مدينة نيقية الواقعة في بيثينيا في الشمال الغربي لآسيا الصغرى عاصمة لهم. وبحلول عام 1087 نجحوا في إنتزاع القدس من الفاطميين الشيعة.

أدرك الإمبراطور البيزنطي ألكسيوس الأول كومنينوس (حكَم 1081-1118) أن توسع السلاجقة في الأراضي المقدسة هو فرصة للحصول على مساعدة من الجيوش الأوروبية الغربية في معركته للسيطرة على آسيا الصغرى. وبالتالي ، ناشد ألكسيوس الغرب لمدهِ بالمحاربين وذلك في شهر آذار / مارس من العام 1095. تلقف البابا أوربان الثاني (حكم 1088-1099) الرسالة فأظهر تجاوبًا سريعًا ، مثله مثل الآلاف من الفرسان الأوروبيين.

فالحملات سوف ترفع من هيبة البابوية إن هي إستطاعت تحريك قوات غربية مشتركة من جميع أنحاء أوروبا ، وستعزز من مكانتها في إيطاليا نفسها.

كان البابا أوربان الثاني قد أرسل في عام 1091 قوات لمساعدة البيزنطيين ضد بدو السهوب "البجناك" الذين كانوا يغزون منطقة الدانوب الشمالية للإمبراطورية البيزنطية. كما وعبر عن إستعداده لتقديم المدد العسكري مرة أخرى لأسباب شتى. فلسان حال البابا يقول بأن شن حملة عسكرية لإسترجاع الأراضي المقدسة للحظيرة المسيحية هي غاية بحد ذاتها. وضرورة لحماية مواقع مهمة مثل قبر يسوع المسيح ، والقبر المقدس في أورشاليم ، والمسيحيون الذين يعيشون هناك أو يحجون إليها. بالإضافة إلى ذلك ، كانت هناك فوائد إضافية غير معنلة شكلت أهمية كبرى للكرسي الرسولي.

فالحملات سوف ترفع من هيبة البابوية إن هي إستطاعت تحريك قوات غربية مشتركة من جميع أنحاء أوروبا ، وستعزز من مكانتها في إيطاليا نفسها ، بعد أن كانت عرضة لتهديدات أباطرة الجرمان المقدسين في القرن الماضي ، تهديدات أجبرت بموجبها العديد من الباباوات وفي أكثر من مناسبة إلى الانتقال بعيدًا عن روما. كانت الكنيسة قد قُسمت إلى كنيسيتين منذ العام 1054 م بسبب الخلافات حول العقيدة والممارسات الليتورجية ، لذلك لم يخفِ أوربان الثاني طموحه لجعل نفسه رئيسًا لكنيسة مسيحية موحدة ، غربية (كاثوليكية) وشرقية (أرثوذكسية) ، تفوق سلطته سلطة بطريرك القسطنطينية نفسه. كما قدم شواهد مدعومة من نصوص الإنجيل بأن حملة العنف الممنهجة يمكن تبريرها بالإستناد إلى مصادر معينة من الكتاب المقدس. أما التبرير الإضافي هو التشديد على أن هذه الحرب سوف تخاض على أساس التحرير وليس الإعتداء ، وبأن الأهداف المعلنة من ورائها هي اهدافًا عادلة وصالحة.

Pope Urban II
البابا أوربان الثاني
Muskiprozz (CC BY-SA)

في 27 تشرين الثاني / نوفمبر من العام 1095 ، اجتمع نخبة رجال الدين الفرنسيين وحشد من المؤمنين في حقل خارج كليرمون مباشرة عند ختام جلسات المجمع. قام البابا أوربان الثاني بإلقاء رسالة صارخة وواضحة. كانت الخطبة أو الرسالة ، المعروفة 'برسالة الغفران' ، موجهة بشكل خاص إلى النبلاء والفرسان المسيحيين في جميع أنحاء أوروبا. قام أوربان الثاني أمام النبلاء بقطعه لهم وعدًا بقوله: " إن أولئك الذين دافعوا عن المسيحية سيشرعون في رحلة حج ، وسوف تُغسل آثامهم ، وستجني أرواحهم في الحياة التالية مكافآت لا توصف. أكد أوربان جدية مشروع الكنيسة من خلال إرسال العديد من المناشدات. كما وشَرع في جولة وعظية في فرنسا بين عامي 1095م و 1096م ، هدفت لتجنيد أكبر عدد ممكن من المحاربين ، حيث تم تطعيم روايته بحكايات مبالغ فيها عن تدنيس الآثار المسيحية ، وإضطهاد المؤمنين المسيحيين وتعذبيهم دون محاسبة المرتكبين. كما وقام بإرسال السفراء والرسائل إلى جميع اجزاء العالم المسيحي، وعملت الكنائس الرئيسية ، مثل تلك الموجودة في ليموج وأنجيه وتور كمراكز تعبئة وتجنيد للمقاتلين. كانت الدعوة إلى "حمل الصليب" - بحيث أقسم الناس على إلتزامهم بدعوى الجهاد الصليبي، ووضعهم لشارة الصليب على لباسهم لتأكيد التزامهم – إشارة على نجاحها. إحتشد المحاربون الذين حرّكتهم الحماسة الدينية ، ودافع الخلاص الذاتي ، بالإضافة إلى الحج والمغامرة والرغبة في الثروة المادية ، طوال عام 1096م وهم على أهبة الإستعداد للشروع بالذهاب إلى القدس. وقد حُدد يوم 15 آب من ذلك العام يوم انطلاق العمليات والبدء بالسفر. قُدر عدد الجنود من الذين تجهزوا في الموجات الأولى ، حوالي 60.000 بما في ذلك حوالي 6000 فارس.

الجبهة الإسلامية

من الغرب الأوروبي لم يكن هدفها الإغارة العسكرية فقط دون أي مضمون وإستراتيجية ، أو من أجل نهب الثروات ثم الرحيبل كانت هذه الجحافل المدعومة من المؤسسة الدينية الأولى في أوروبا ، تخطط للإقامة الدائمة وتحويل الشرق إلى شرق مسيحي صَرِف.ل ،

كان المسلمون السلاجقة الذين سيطروا على معظم آسيا الصغرى وشمال سوريا في العقود الأخيرة من القرن الحادي عشر يعانون من مشاكلهم الخاصة حتى قبل وصول الصليبيين. ففي صراعهم المرير مع أخصامهم من البيت الفاطمي (ذات المذهب الشيعي الإسماعيلي) ، والمتمركزين في مصر ، نجح البيت السلجوقي (أهل السنة والجماعة) ، في إنتزاع مدينة القدس منهم. ومع ذلك ، فقد تلقى السلاجقة صفعة موجعة بوفاة سلطانهم القوي الملكشاه عام 1092 مما أدى إلى نشوب صراع على السلطة من قبل العديد من الوزراء الطامحين ، دون أن يحسم أي منهم الصراع على العرش. علاوة على ذلك ، كانت القاعدة السلجوقية في بغداد ، بعيدة عن المعارك التي ستنشب في المستقبل القريب كنتيجة مباشرة للحملة الصليبية الأولى ، وبالتالي لم يكن هناك سوى القليل من الدعم اللوجستي أو إدارة مركزية للحرب. أضف إلى ذلك ، أن الشيعة تمكنوا من استعادة القدس من السلاجقة قبل أشهر قليلة من وصول أولى طلائع القوات الصليبية إلى مسرح الأحداث. من المؤكد بأن الجماعتين ، السلاجقة والفاطميون وعلى الأرجح ، لم يدركوا الطبيعة الدينية للمحاولة الصليبية بالوصول إلى القدس ، وبالتالي ، قللوا من أهميتها وخطورتها ، وإعتبروها غارة مؤقتة ليست ذات أهمية ، شبيهة بغارات الدولة البيزنطية ليس أكثر. لكن جحافل القوات الكاثوليكية الآتية من الغرب الأوروبي لم يكن هدفها الإغارة العسكرية فقط دون أي مضمون وإستراتيجية ، أو من أجل نهب الثروات ثم الرحيبل كانت هذه الجحافل المدعومة من المؤسسة الدينية الأولى في أوروبا ، تخطط للإقامة الدائمة وتحويل الشرق إلى شرق مسيحي صَرِف.ل ،

The Byzantine Empire c. 1090 CE
الإمبراطورية البيزنطية حوالي 1090 م
Spiridon MANOLIU (Public Domain)

بطرس الناسك والحملة الشعبية

من المفارقات الغريبة ، وعلى الرغم من إستهداف البابا وعلى وجه التحديد ، لطبقة الفرسان وحثهم على المشاركة بالحملات الصليبية (وهو ما طلبه أليكسيوس) ، فقد وقع العديد من الناس العاديين تحت تأثير الدعاية البابوية. أولى المجموعات الرئيسية التي لبت نداء الجهاد الصليبي ، كانت مجموعة شعبية تفتقر إلى التنظيم وتضم في صفوفها عدد قليل من الفرسان الفقراء غير المجهزين تجهيزًا جيدًا. قادهم الواعظ بطرس الناسك إلى جانب الفارس والتر المُفلِس (سانسافوار). وبسبب سوء التجهيز ، وفوضى تحركاتهم ، لم يحصلوا على تعاطف خلال مسيرتهم إلى الأراضي المقدسة. بالنسبة لبطرس كان قد تعرض للإعتقال من قبل المسلمين في وقت سابق خلال رحلة حج إلى الأراضي المقدسة ، تعرض فيها لتعذيب شديد ، فصمم على الإنتقام.

في هذه الأثناء ، شقت مجموعة ثانية من الصليبيين ، وهي على نفس قدر الأولى من التواضع وسوء الانضباط ، طريقها إلى أسفل نهر الراين. هذه المجموعة التي ترأسها الكونت إيميكو (إيميش) حاكم فلونهايم ، صبت جام غضبها الديني على جماعة من اليهود في مدن شباير ، ماينز ، ترير ، وكولونيا وإرتكبت فيهم المجازر. وصلت الحملة الشعبية إلى القسطنطينية في أوائل صيف عام 1096 ، وذلك بهدف الانتقال بعدها إلى القدس لإزالة السلاجقة. وقد وصفت آنا كومنينا (1083-1153) ، وهي مؤرخة وابنة الإمبراطور البيزنطي ، في سجلها "ألكسياد" هؤلاء الوافدين الأوائل بالتالي:

هؤلاء الفرنجة ، لم يكن برفقتهم أحد سوى الغبار ونجوم الليل ، يحملون أوراق النخيل وصلبانهم على أكتافهم; النساء والأطفال، أيضًا أتوا من أماكن بعيدة عن موطنهم الأصلي (جريجوري ، 296).

نُقِلَت القوات إلى آسيا الصغرى بأوامر من أليكسيوس نفسه ، ولكنهم وبسبب تجاهلهم لنصائح البيزنطيين ، فقد تعرضوا لكمين محكم بالقرب من نيقية من قبل الجيش السلجوقي بقيادة قِلج إرسلان في 21 تشرين أول / أكتوبر 1096 مما أدى لشرذمتهم بعد مقتل عدد كبير منهم بينهم والتر المُفلِس فإنتهت الحملة الشعبية عند هذا الحد. لم يكن هذا ما أراده أليكسيوس وخطط له البابا عندما بدأوا الحركة الصليبية.

سقوط أنطاكية

بدأت طلاع الموجة الثانية من القوات الصليبية ، والتي ضمت في صفوفها نبلاء ومحاربين محترفين وفرسان أشداء ، بالوصول إلى القسطنطينية بين فصلي الخريف والشتاء من العام 1096. لكن وصولها لم يشكل إرتياحًا ضمنيًا للإمبراطور أليكسيوس كومنينوس ، لأنه من ضمن قادتها كان هناك عدو ماكر شكل وصوله نوع من القلق للإمبراطور. الأمير النورماندي بوهيموند الأول أمير تارانتو ، ذلك لأن بوهيموند ووالده روبرت جيسكارد ("الماكر") ، دوق بوليا ، قد هاجما في السابق اليونان البيزنطية بين عامي 1081 و 1084 و هذا ما لم ينساه أليكسيوس. في عام 1097 وصل بوهيموند وفرسانه إلى مدينة القسطنطينية ، في البداية سارت الأمور على ما يرام مع تأدية القادة النورمان قسم الولاء للإمبراطور إلى جانب عدد آخر من القادة الصليبين مثل كندفري (غودفري) أمير بويون ودوق اللورين السفلى ، وريموند الرابع (المعروف بريمون سان جيل أو صنجيل) ، دوق تولوز. ضمت الحملة الاولى أيضًا أسماءً مهمة على مستوى القيادة ولكن مع قيام كل واحد منهم بترأس فرقته الخاصة من الفرسان ، ناهيك عن حواجز اللغة والتواصل اللفظي فيما بينهم ، فقد كانت من المعجزات بحسب آراء الجميع ، أن تحقق هذه القوة أي مكسب على الإطلاق. إلا أن نجاحها فاجىء العالم بأسره.

The Siege of Antioch, 1098 CE
حصار أنطاكية ، 1098 م
Jean Colombe (Public Domain)

قام أليكسيوس بإستغلال الصليبيين جيدًا ، على الرغم من إرتكاب بعض العناصر غير المنضبطة ، قليلة الإيمان والتقوى ، لبعض التجاوزات ، وتسببها بفوضى عارمة داخل أراضي الإمبراطورية أثناء عبورها من أوروبا. حرص النورمانديون على هزيمة السلاجقة وإنشاء بعض الممالك الجديدة الخاصة بهم ، ربما يكون أليكسيوس قد وافق على هذه الفكرة ، لأنها قد تشكل مناطق عازلة ذات كفاءة على حدود الإمبراطورية. تَمكن أليكسيوس من إستعادة مدينة نيقية في حزيران / يونيو 1097 ، على الرغم من أن السلاجقة فضلوا في الواقع إخلائها وتأجيل القتال إلى يوم آخر. بعد ذلك إجتاح الصليبيون سهل الاناضول وحققوا إنتصارًا كبيراً في ضورليم يوم 1 تموز / يوليو 1097.

انقسمت القوات المسيحية المشتركة الصليبية / البيزنطية في أيلول / سبتمبر 1097 إلى عدة أقسام ، توجه قسم من هذا القوات نحو مدينة الرها صوب الشرق ، وقسم آخر توجه نحو مدينة قيليقية في الجنوب الشرقي. أما القسم الرئيسي فقد توجه نحو مدينة أنطاكية في سوريا ، البوابة الرئيسية للحدود الفراتية نحو الداخل السوري. كانت المدينة العظيمة أحد كراسي البطريركية الخمسة للكنيسة ، التي كانت في يوم من الأيام موطنًا للقديس بولس وبطرس ، ومن المحتمل أن تكون مسقط رأس القديس لوقا. إستعادة المدينة سوف يكون لها تداعيات دعائية ضخمة ستصب في مصلحة الجهود الحربية للقوات الصليبية.

على الرغم من أن مدينة أنطاكية كانت محصنة تحصينًا جيدًا ، ذات مساحة كبيرة جدًا بحيث يصعب تطويقها بالكامل ، إلا أنها كانت بالفعل من أكبر إنتصارات الصليبين يوم سقوطها في 3 تموز / يونيو 1098 بعد حصار شاق دام 8 أشهر ، تعرض فيها المحاصِرون أنفسهم للحصار من قبل قوات إسلامية أتت من مدينة الموصل. عانى الصليبيون خلال الحصار من الطاعون والمجاعة وفرار العديد من العناصر. حاولت قوات بيزنطية نجدت المحاصَرين بدعمهم بقوة تدخل سريع بقيادة الإمبراطور نفسه ، إلا أن أليكسيوس وهو في طريقه لنجدة القوات الصليبية إلتقى بعدد كبير من اللاجئين بحيث أبلغوه خطأً بأن القوات الصليبية على مشارف هزيمة كبرى أمام جيش إسلامي ضخم ، فقفل راجعًا من حيث أتى. لم يكن بوهيموند سعيدًا عندما اكتشف أن البيزنطيين قد تخلوا عنه ، حتى بعد إستيلائه على المدينة وهزيمته للقوة الإسلامية التي أتت لنجدة المدينة. لذلك ، قرر الأمير النورماندي التراجع عن تعهده بإعادة جميع الأراضي التي تم الاستيلاء عليها إلى الإمبراطور واحتفظ بالمدينة لنفسه ، وهكذا ، بدأ التوتر يشوب العلاقة بين الزعيمين بشكل لا رجعة فيه.

الإستيلاء على القدس

في كانون الأول / ديسمبر من العام 1098 ، واصل الجيش الصليبي تقدمه نحو مدينة القدس ، واستولى على العديد من المدن الساحلية السورية واللبنانية وهو في طريقه إلى المدينة. وصلت القوات الصليبية أخيرًا إلى وجهتها يوم 7 تموز / يوليو من العام 1099. لم يتبقى سوى حوالي 1300 فارس و 12500 جندي مشاة لتحقيق الهدف الأساسي المتمثل بإستعادة القدس.

شكلت القدس والتي كانت محاطة بجدران ضخمة ، وبمزيج من الخنادق والمنحدرات الوعرة ، مهمة صعب للغاية بالنسبة للصليبيين ، ولكن من حسن حظهم ، وفي اللحظة المناسبة وصل عدد من السفن من مدينة جنوى الإيطالية وهي محملة بالأخشاب اللازمة لصناعة بُرجَيْ حصار ، ومنجنيق ، ومدقات لدك الحصون. على الرغم من إمتلاكهم لهذه الأسلحة ، إلا أنهم إصطدموا بمقاومة عنيدة ، ولكن على ما يبدو بأن الحامية الإسلامية كانت مترددة بشكل ملحوظ في شن غارات على القوات الصليبية لكسر الحصار ، بانتظار الدعم الموعود من مصر. بعد ذلك ، في منتصف شهر تموز / يوليو ، قرر غودفري أمير بويون مهاجمة ما اعتقد أنه الجزء الأضعف من الجدار. نصب الصليبيون برج الحصار تحت جنح الظلام وقاموا بردم جزء من الخندق المائي ، وتمكنوا من الاقتراب من الجدران ، ومع تقدم غودفري من الأمام ، صعد المهاجمون فوق الدفاعات ووجدوا أنفسهم داخل المدينة في 15 تموز / يوليو 1099.

Taking of Jerusalem by the Crusaders
الإستيلاء على القدس من قبل الصليبيين
Émile Signol (Public Domain)

دخل الصليبيون بأعداد هائلة إلى المدينة ، فتبع ذلك مذابح جماعية لكل من المسلمين واليهود على حد سواء ، لكن ما من شك بأن الأرقام التي تحدثت عن مقتل حوالي 10000 إلى 75000 مبالغ فيها. قدر إبن عربي الرقم بحوالي 3000 ضحية من أصل 30.000 من سكان المدينة. بعد شهر ، وصلت قوة كبيرة من الجيش المصري لاستعادة المدينة ، لكنها هُزمت في عسقلان. عادت أورشليم إلى الحظيرة المسيحية ، وأصبح غودفري ملكًا عليها. بالعودة إلى إيطاليا ، فقد توفي البابا أوربان الثاني في 29 تموز / يوليو دون أن يعرف بنجاح ما خطط له. بالنسبة لبعض المؤرخين مثلت معركة عسقلان نهاية الحملة الصليبية الأولى.

المزيد من الإنتصارات

بعد إنجاز المهمة ، عاد العديد من الصليبيين إلى موطنهم في أوروبا ، منهم من حقق ثروة مادية كبيرة ومنهم من إستولى على ذخائر وتذكارات دينية مهمة. ولكن بالنسبة للعديد من المحاربين فقد كانت سنوات طويلة من المعارك الصعبة إنتهت مع تحقيق مكافآت ضئيلة فقط. بعد ذلك ، وصلت موجة جديدة من الصليبيين إلى مدينة القسطنطينية عام 1100 ، بقيادة ريموند أمير تولوز. في 17 أيار/ مايو 1101 تمت السيطرة على قيسرية وفي 26 منه سقطت مدينة عكا أيضًا. لكن المؤسف بالنسبة للصليبين بأن المسلمين أصبحوا على دراية بتكتيكات ونوعية الأسلحة المستخدمة من قِبل القوات المسيحية. في أيلول / سبتمبر 1101 ، هزم السلاجقة جيش صليبي مكون من الفرسان اللومبارديين والفرنسيين والألمان. يبدو أن الأمور ستزداد صعوبة وتعقيدا على الجيوش الغربية خلال القرنين التاليين من الحرب.

لضمان بقاء المدينة تحت الهيمنة المسيحية ، كان من الضروري إنشاء مستوطنات غربية في الشرق.

في هذه الأثناء ، لم يستسلم أليكسيوس لخسارته إنطاكية لصالح بوهيموند ، فقام بإرسال قوة لمهاجمة المدينة أو عزلها على الأقل عن باقي الأراضي الصليبية. كان بوهيموند قد غادر نحو إيطاليا في محاولة منه لإقناع البابا باسكال الثاني (حَكَم 1099-1118) والملك الفرنسي فيليب الأول (حكم 1060-1108) بأن التهديد الحقيقي للعالم المسيحي هو الدولة البيزنطية. وكان لابد من القضاء على "إمبراطورهم الخائن وكنيستهم الضالة" ، وهكذا تم غزو بيزنطية ، تحديدًا في ألبانيا عام 1107. فشل الهجوم إلى حد كبير لأن أليكسيوس حشد أفضل قواته لمواجهته ، ولأن البابا تخلى أيضًا عن دعمه للحملة. نتيجة لذلك ، أُجبر بوهيموند على قبول التبعية للإمبراطور البيزنطي ، الذي سمح له بحكم أنطاكية باسمه. وهكذا ، رُسِمت إستراتيجية تقسيم الأراضي الجديدة التي تم الإستيلاء عليه.

تقييم: إنجازات وإخفاقات

كان سقوط القدس يوم 15 تموز / يوليو 1099م أول مؤشر جيوسياسي على نجاح الحملات الصليبية ، ولكن لضمان بقاء المدينة تحت الهيمنة المسيحية ، كان من الضروري إنشاء مستوطنات غربية في الشرق (شُملت جميعها بمصطلح الشرق اللاتيني ، الدول الصليبية ، أو بلاد ما وراء البحر ، بالفرنسية: Outremer). ومن أجل الدفاع عنها ، برزت الحاجة الملحة إلى وجود خط إمداد صليبي دائم ، فتم إنشاء التنظيمات الرهبانية العكسرية وفرضت الضرائب لتمويل المشاريع الصليبية. في البداية ، إرتكبت بعض المذابح بحق السكان المحليين ، لكن الأوربيين سرعان ما أدركوا أنه ومن اجل التمسك بمكاسبهم عليهم الإستحواذ على دعم السكان المحليين الكثيري التنوع الديني والعرقي. ونتيجة لذلك ، نما التسامح مع الديانات غير المسيحية ، وإن كان ذلك بوجود بعض القيود.

على الرغم من إستمرار حملات التجنيد في أوروبا ومحاولات إنشاء "مستعمرات'' وممالك دائمة ، فقد ثبت أنه من المستحيل التمسك بمكاسب الحملة الصليبية الأولى ، فبرزت الحاجة إلى مزيد من الحملات لاستعادة مدن مثل الرها والقدس نفسها بعد سقوطها مرة أخرى في عام 1187. سينظم في المستقبل ثماني حملات صليبية رسمية ، والعديد من الحملات الأخرى غير الرسمية خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر ، والتي قوبلت جميعها بالفشل أكثر من النجاح.

كانت هناك عواقب غير متوقعة أو سلبية للحملة الصليبية الأولى ، أهمها تمزق العلاقات الغربية / البيزنطية والرعب البيزنطي من مجموعات المحاربين الجامحة التي سببت الفوضى في أراضيهم. كان اندلاع القتال بين الصليبيين والقوات البيزنطية أمرًا شائعًا ، كما وزاد انعدام الثقة فيما بينهم. لقد كانت العلاقة الشائبة تزداد سوءا بين الشرق والغرب ، ووصلت الأمور إلى ذروتها بإحتلال القسطنطينية عام 1204.

انتهزت الجماعات الصليبية ، من الذين لم يكونوا فرسانً بل فقراء المدن ، الفرصة لمهاجمة الأقليات ، وخاصة اليهود منهم في شمال فرنسا وأراضي الراين. وامتدت الحركة الصليبية أيضًا إلى إسبانيا حيث تم شن هجمات ضد المغاربة هناك في العقدين الثاني والثالث من القرن الثاني عشر. بروسيا ، ودول البلطيق ، وشمال إفريقيا ، وبولندا ، والعديد من الأماكن الأخرى ، ستشهد أيضًا على نشاط صليبي حتى القرن السادس عشر ، وذلك لأن النموذج الصليبي المثالي ، على الرغم من النجاحات العسكرية المشكوك بأمرها ، استمر في جذب القادة والجنود والناس العاديين في الغرب ، فإتسعت لتشمل ليس فقط المسلمين بل أيضًا الوثنيين ، والمنشقين عن المسيحية ، والهراطقة.

نبذة عن المترجم

Amin Nasr
يهتم أمين بالتفاعل الاجتماعي والحضاري والتاريخ والعمارة، زار الآثار التاريخية للحضارات القديمة، وهو زائر متكرر للمواقع اليونانية القديمة والرومانية والعصور الوسطى في جميع أنحاء لبنان وبعض أجزاء المتوسط، يقيم حاليًا في مدينة دبي.

نبذة عن الكاتب

Mark Cartwright
مارك كاتب وباحث ومؤرخ ومحرر. تشمل اهتماماته الخاصة الفنون والعمارة واكتشاف أفكار مشتركة بين الحضارات. وهو حاصل على درجة الماجستير في الفلسفة السياسية ومدير النشر في WHE.

استشهد بهذا العمل

نمط APA

Cartwright, M. (2018, July 09). الحملة الصليبية الأولى [First Crusade]. (A. Nasr, المترجم). World History Encyclopedia. تم استرجاعها من https://www.worldhistory.org/trans/ar/1-16588/

أسلوب شيكاغو

Cartwright, Mark. "الحملة الصليبية الأولى." تمت ترجمته بواسطة Amin Nasr. World History Encyclopedia. آخر تعديل July 09, 2018. https://www.worldhistory.org/trans/ar/1-16588/.

أسلوب إم إل إيه

Cartwright, Mark. "الحملة الصليبية الأولى." تمت ترجمته بواسطة Amin Nasr. World History Encyclopedia. World History Encyclopedia, 09 Jul 2018. الويب. 25 Apr 2024.