يشير البغاء في العالم القديم عادةً إلى فئة من النساء والرجال الذين كانوا يعرضون خدماتهم الجنسية خارج نطاق القانون. تشتق كلمة "عاهرة" من الكلمة اللاتينية “prostituere” (التجرد علنًا). كانت هذه إشارة إلى الطريقة التي كانت تعلن بها العاهرات الرومانيات عن أنفسهن حتى لا يخلط بينهن وبين النساء المحتشمات (انظر أدناه). تُستخدم أحيانًا الكلمات الإنجليزية "زانية" أو "عاهرة"، اعتمادًا على السياق وترجمة النص القديم.
البغاء المقدس
كان الموضوع الديني المهيمن على جميع المجتمعات القديمة هو موضوع الخصوبة؛ خصوبة المحاصيل والقطعان والبشر، فالقوى الإلهية التي حكمت الكون وفقًا لمعتقداتهم كانت توجد في أزواج من الذكور والإناث، وعليه يمكن التقرب إليها من أجل فوائد الخصوبة للبشر. كان هذا مرتبطًا بشكل خاص بخلق وعبادة الآلهة الأم المختلفة في المنطقة مثل: إينانا (سومر)، وعشتار (بلاد ما بين النهرين)، وحتحور وإيزيس (مصر)، وكوبيلي (الأناضول)، وعشتروت (كنعان)، وديميتر (اليونان)، وأفروديت (اليونان)، وفينوس (روما). كل هذه الآلهات حكمت الجنس البشري والاستخدامات الجنسية للجسد والولادة والأطفال.
يتجادل العلماء حول الطرق الذي أسست عبادة آلهة الخصوبة هذه، فهو مفهوم يُعرف باسم "البغاء المقدس أو بغاء المعبد". هناك إشارات إلى ذلك في الثقافات القديمة في سومر وبلاد ما بين النهرين، وانتشرت هذه الأفكار في جميع أنحاء حوض البحر المتوسط. مصطلح "بغاء المعبد" هو مصطلح حديث (ما بعد عصر التنوير) وهو تسمية خاطئة، إذ ساوى العلماء بين خدم المعبد (رجالًا ونساءً) وبين البغاء في حد ذاته، في شعائر الخصوبة هذه وهو ليس الشيء نفسه.
كان الملك (شبه الاله) في سومر القديمة، يؤدي شعيرة دينية سنوية تعرف باسم “Hieros gamos”، أو "الزواج المقدس". كان هذا الزواج يضمن خصوبة المجتمع. تشير تراتيل من تلك الحِقْبَة أن الملك كان "يجري سباقات" في نفس اليوم، مما يعكس رجولته، ما يبقى محل جدل هو ما إذا كانت هذه الشعائر الدينية حرفية أم رمزية.
نتج عن تطور الشعائر الدينية كل من الدراما والرقص القديمين. طورت وأنتجت أثينا مسرحيات بالتزامن مع مهرجانات ديميتر وديونيسيوس، حيث كانت الجوقة ترقص وتعيد تمثيل أسطورة هذه الآلهة، ربما يكون تمثيل الممثلين لأدوار الخصوبة قد سبق الدراما الإغريقية، وهو أمر منطقي فيمَا يتعلق بالشعائر الدينية. يمكن أن تُظهر الشعائر الجسدية النتيجة المتوقعة منها، نقصد الخصوبة.
تأثر التصوير الحديث لخدم المعبد بهيرودوت "أبو التاريخ" (حوالي 484 - حوالي 425 ق.م)، حيث كتب يقول، خلال رحلته إلى بابل:
"أقبح عادة بابلية هي تلك التي تجبر كل امرأة من نساء الأرض على الجلوس في معبد أفروديت ومضاجعة رجل غريب مرة واحدة في حياتها ... ولا يهم مقدار المال، فالمرأة لن ترفض أبدًا، لأن ذلك سيكون خطيئة، فالمال بهذا الفعل يصبح مقدسًا، وبعد الجماع، وبعد أن تؤدي المرأة واجبها المقدس تجاه الآلهة، تنصرف إلى بيتها." (التواريخ، 1.199)
اشتهرت أيضًا معابد أفروديت في كريت وكورينثوس بهذه الممارسة، مع أنّ الكثير من الانتقادات التي وجهت إلى "الشعائر الشرقية" موجودة في الأدب الروماني. ذكر سترابو (2ق.م، 8.6.20) "الآلاف" من هؤلاء النساء في كورنثوس، مع أنّ مجمع المعبد هناك لا يمكنه استيعاب هذا العدد الكبير.
مصر القديمة
معرفتنا عن البغاء في مصر القديمة قليلة جدًا، كل ما وصلنا هو صور لفنانات الترفيه في الولائم (راقصات ومغنيات)، ولكن لا يوجد ما يشير إلى وضعهن، أما فيمَا يتعلق بجاذبية بمستحضرات التجميل، فلدينا العديد من الأمثلة مثل: اختلافات في الشعر المستعار، وزينة الوجه والعينين، والملابس الكتانية الشفافة التي تبرز مفاتن الجسد، والوشم. كانت النساء في مصر القديمة بالمقارنة مع جيرانهن، يتمتعن بحقوق قانونية أكثر بكثير، وكان بإمكانهن العمل في شَتَّى الحرف. لم تكن هناك مراسم زواج في مصر؛ حيث كان الأزواج ينتقلون ببساطة للعيش معًا، ومع ذلك، كان الزواج الأحادي متوقعًا ومشجّعًا.
اليهودية القديمة
لم يكن البغاء في إسرائيل القديمة خطيئة، كان تشريعات موسي الموجهة للزواج والطلاق تستخدم مفهوم المرأة بصفتها ملكية، فهي ملكًا لآبائها، ثم تُسلَّم بموجب عقد الزواج إلى الزوج. كان الزنا مرتبطًا بهذه الزيجات؛ فالزنا يعني انتهاك ملكية رجل آخر، وفي عالم خلي من اختبارات الحمض النووي، كان من الضروري أن تظل الأنساب نقية.
لم تكن ممارسة الجنس مع بغيّة مخالفة للقوانين الاجتماعية، ولم يتطلب الأمر عقد زواج، لكن هذا لا يعني أن البغايا كن سلعة مفضلة، حيث كن في أسفل السلم الاجتماعي، وفي زمن لم يعرف فيه القدماء أن السائل المنوي يتجدد، كان لازمًا على الرجل عدم إهدار سائله المنوي خارج عقد الزواج.
يروي العهد القديم قصصًا، مثيرة للدهشة، عن البغايا فيمَا يُطلق عليه في الأدب "البغيّة البارّة"، وهي قصص لنساء كنعانيات عادةً (غير يهوديات)، ومع ذلك يؤمنَّ بإله إسرائيل، عندما أرسل يشوع جاسوسان إلى أريحا، أخفتهم راحاب سيدة بيت الدعارة، لأنها كانت تعلم أن الله سينصر بني إسرائيل. تنكرت تامار زوجة ابن يهوذا الكنعانية، في زي زانية على قارعة الطريق، لإغواء يهوذا حتى لا ينقطع عقبه.
الكلمة العبرية التي تعني "بغيّة" هي “zonah”، ولكننا نجد أيضًا كلمة ”kedeshah“ التي تعني "مخصَّصة" أو "مُكَرَّسة"، وتظهر عادة في أوصاف النساء غير اليهوديات اللاتي كن يعملن خادمات في معابد الخصوبة. هناك إشارات إلى البغايا من الذكور، ويطلق عليهم أيضًا ”kedeshah“أو " المُكَرَّسون"، وبحسب السياق، يشار إليهم باسم "اللوطيين".
"لاَ تَكُنْ زَانِيَةٌ مِنْ بَنَاتِ إِسْرَائِيلَ، وَلاَ يَكُنْ مَأْبُونٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. لاَ تُدْخِلْ أُجْرَةَ زَانِيَةٍ وَلاَ ثَمَنَ كَلْبٍ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ عَنْ نَذْرٍ مَّا، لأَنَّهُمَا كِلَيْهِمَا رِجْسٌ لَدَى الرَّبِّ إِلهِكَ." (تثنية 23: 17-18)
استخدم أنبياء إسرائيل، استعارات الزواج والجنس مع ربطها بآلهة الخصوبة، لإدانة خطيئة عبادة الأصنام الكبيرة في الأرض. قُدِمَ الله بصفته العريس وإسرائيل العروس التي ارتكبت الزنا لعبادته آلهة أخرى، وفي سفر النبي هوشع (القرن الثامن قبل الميلاد)، أُمر بالزواج من غومر، وهي عاهرة، كرمز لخطايا إسرائيل. يؤكد سفر حزقيال على الاستعارات في جميع أنحاء الكتاب المقدس:
"وَكَانَ بَعْدَ كُلِّ شَرِّكِ. وَيْلٌ، وَيْلٌ لَكِ! يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، أَنَّكِ بَنَيْتِ لِنَفْسِكِ قُبَّةً وَصَنَعْتِ لِنَفْسِكِ مُرْتَفَعَةً فِي كُلِّ شَارِعٍ. فِي رَأْسِ كُلِّ طَرِيق بَنَيْتِ مُرْتَفَعَتَكِ وَرَجَّسْتِ جَمَالَكِ، وَفَرَّجْتِ رِجْلَيْكِ لِكُلِّ عَابِرٍ وَأَكْثَرْتِ زِنَاكِ. وَزَنَيْتِ مَعَ جِيرَانِكِ بَنِي مِصْرَ الْغِلاَظِ اللَّحْمِ، وَزِدْتِ فِي زِنَاكِ لإِغَاظَتِي. فَهأَنَذَا قَدْ مَدَدْتُ يَدِي عَلَيْكِ، وَمَنَعْتُ عَنْكِ فَرِيضَتَكِ، وَأَسْلَمْتُكِ لِمَرَامِ مُبْغِضَاتِكِ، بَنَاتِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، اللَّوَاتِي يَخْجَلْنَ مِنْ طَرِيقِكِ الرَّذِيلَةِ. وَزَنَيْتِ مَعَ بَنِي أَشُّورَ، إِذْ كُنْتِ لَمْ تَشْبَعِي فَزَنَيْتِ بِهِمْ، وَلَمْ تَشْبَعِي أَيْضًا. وَكَثَّرْتِ زِنَاكِ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ إِلَى أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ، وَبِهذَا أَيْضًا لَمْ تَشْبَعِي. مَا أَمْرَضَ قَلْبَكِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِذْ فَعَلْتِ كُلَّ هذَا فِعْلَ امْرَأَةٍ زَانِيَةٍ سَلِيطَةٍ، بِبِنَائِكِ قُبَّتَكِ فِي رَأْسِ كُلِّ طَرِيق، وَصُنْعِكِ مُرْتَفَعَتَكِ فِي كُلِّ شَارِعٍ. وَلَمْ تَكُونِي كَزَانِيَةٍ، بَلْ مُحْتَقَرةً الأُجْرَةَ. أَيَّتُهَا الزَّوْجَةُ الْفَاسِقَةُ، تَأْخُذُ أَجْنَبِيِّينَ مَكَانَ زَوْجِهَا. لِكُلِّ الزَّوَانِي يُعْطُونَ هَدِيَّةً، أَمَّا أَنْتِ فَقَدْ أَعْطَيْتِ كُلَّ مُحِبِّيكِ هَدَايَاكِ، وَرَشَيْتِهِمْ لِيَأْتُوكِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِلزِّنَا بِكِ. وَصَارَ فِيكِ عَكْسُ عَادَةِ النِّسَاءِ فِي زِنَاكِ، إِذْ لَمْ يُزْنَ وَرَاءَكِ، بَلْ أَنْتِ تُعْطِينَ أُجْرَةً وَلاَ أُجْرَةَ تُعْطَى لَكِ، فَصِرْتِ بِالْعَكْسِ. فَلِذلِكَ يَا زَانِيَةُ اسْمَعِي كَلاَمَ الرَّبِّ" (16: 23-35)
روما القديمة
كان البغاء في أثينا القديمة قانونيًا؛ فكان يمكن للمرء أن يجد البغايا، وكثير منهن كنّ من العبيد، في بيوت الدعارة والحانات وزوايا الشوارع، أو بغيّة مستأجرة من الطبقة الراقية، وكانت تدعي “hetaira”. اتبعت روما العديد من المفاهيم ذاتها التي اتبعتها اليونان بخصوص البغاء، وعلى غرار الــ“hetaira” في جلسات الشراب الإغريقية، كانت البغايا من الطبقة العليا يعملن أيضًا مسليات في حفلات العشاء في روما. كانت "فولومنيا سيثيريس" (القرن الأول قبل الميلاد) ممثلة ورفيقة لكل من مارك أنتوني وبروتس. كانت "برايسيا" (السبعينيات قبل الميلاد) رفيقة للعديد من السياسيين المؤثرين، بمن فيهم بومبي، وكانت معروفة بتأثيرها في السياسة الرومانية.
كانت العديد من النساء العاملات في البغاء التقليدي مع ذلك، من العبيد أو العبيد المحررين، مما يعني أنهن كن يُصنفن سَيِّئُ السُّمْعَة، أي ممن لا يتمتعن بمكانة اجتماعية أو حقوق وامتيازات المواطنين. عُدّ العبيد أولًا وقبل كل شيء ممتلكات، فلم تكن ممارسة الجنس معهم زنا، وكان هناك قَبُول لممارسة الجنس مع العبيد الذكور والإناث على حد سواء، وبصفتهم ممتلكات، كانت هناك قواعد بشأن انتقال ملكيتهم. كان لدى روما قانون ”ne serva“ الذي ينص على أن المالك الجديد كان ممنوعًا عليه أن يؤجر الجارية كبغيّة، وكما هو الحال مع الكوميديا الإغريقية، استخدمت الكوميديا الرومانية (بلوتوس) والأطروحات الساخرة البغيّة بصفتها شخصية أساسية ونجد ذلك عند: (هوراس، وأوفيد وساتيريكون بترونيوس، وجوفينال).
كانت البغايا يعملن في الشوارع بمفردهن، أو يمكنهن استئجار غرفة، والتي عادةً ما تكون فوق حانة. كانت النساء اللاتي يعملن نادلات في الحانات مرتبطات دائمًا بالغاء. كان يجب تسجيل البغاء لدى "الإيديل". كان "الإيديل" قاضٍ يُنتخب كل عام للإشراف على الأنشطة التجارية، وعلى صيانة بيوت البغاء والحمامات الرومانية المسجلة وصحتها العامة. كانت الحمامات العامة مناطق تمارس فيها البغايا تجارتهن أيضًا، ومنذ الثلاثينيات القرن الأول الميلادي، كان على البغايا دفع ضريبة إمبراطورية. تشير بعض الأدبيات إلى أن البغايا الرومانيات كن يرتدين "تُّوجة/رداء" زاهية الألوان (كان اللون الأبيض للذكور من المواطنين) ولكن دون سترة تحتها. تظل التكهنات قائمة بأن ذلك كان مرسومًا حكوميًا رومانيًا أو أنهن فعلن ذلك ببساطة باختيارهن لتمييزهن عن النساء الأخريات، غالبًا ما يُذكر العري، لكن أسواق الرقيق كانت تعرض أيضًا أشخاصًا عراة.
كانت البغايا الرومانيات يخرجن دائمًا في الأعياد الدينية العديدة في أرجاء الإمبراطورية الرومانية، وبما أن الناس كانوا يأتون إلى المدن من الريف، فقد كانت هذه مناسبات لجني أرباحًا إضافية. كانت تُقدم استعراضات “ludi” (الألعاب) في روما جنبًا إلى جنب مع المهرجانات الدينية التي كانت تتضمن أيضًا مسرحيات في جميع أنحاء المدينة وسباقات العربات التي كانت تحظى بشعبية كبيرة. كانت البغايا ينتظرن الحشود التي تغادر المدرج كل مساء، وكنّ يؤدين عروضهن تحت الأقواس، ومن الكلمة اللاتينية “fornix” "أقواس" جاءت كلمة “fornication” "البِغَاء"، وغالبًا ما كانت البغايا يدمجن في المهرجانات الدينية، وبشكل رئيس بين الآلهة المرتبطة بالخصوبة والحب الجنسي. كان العديد من هذه المهرجانات يتألف من أعياد لفينوس أو فلورا، ولوحظ فيها انقلاب مؤقت على التقاليد الاجتماعية حيث كانت النساء يحتفلن ويشربن الخمر ويضعن المكانة الطبقية جانبًا.
مصطلح "بيت البغاء"، “lupanar”، مشتق من الكلمة اللاتينية “lupa” (ذِئبَة). يوجد أشهر "بيت بغاء" الآن في أطلال مدينة بومبي، على جانب واحد من الشارع، يحتوي بيت البغاء على خانات فردية لممارسة الجنس، مع صور توضح أوضاعًا جنسية مختلفة. كان الافتراض أن هذه هي الطريقة التي كان بيت البغاء يعلن بها عن خدماته المختلفة، ومع ذلك، فإن الحمامات العامة في بومبي لديها صور مماثلة في غرف تبديل الملابس، فوق كل حجرة، ربما كانت هذه مجرد طريقة مسلية لتذكر مكان تخزين ملابسك خلال وجودك في الحمام.
البغاء في المسيحية المبكرة
لا تظهر المصطلحات الشائعة عن البغايا في رسائل بولس أو الأناجيل، حيث أدرج بولس في رسائله قائمة رذائل يهودية شائعة ضد الثقافة السائدة، وغالبًا ما كانت تشمل "الفجور الجنسي" (باليونانية: “pornea”، أو "العلاقات الجنسية غير المشروعة")، وبصفتها أساس للكلمة الإنجليزية "إباحية"، أصبحت الكلمة مرتبطة بالبغاء. المرة الوحيدة التي تناول فيها بولس البغاء في حد ذاته هي في رسالته إلى أهل كورنثوس (6: 12-20):
"كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي، لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوافِقُ. «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، لكِنْ لاَ يَتَسَلَّطُ عَلَيَّ شَيْءٌ. الأَطْعِمَةُ لِلْجَوْفِ وَالْجَوْفُ لِلأَطْعِمَةِ، وَاللهُ سَيُبِيدُ هذَا وَتِلْكَ. وَلكِنَّ الْجَسَدَ لَيْسَ لِلزِّنَا بَلْ لِلرَّبِّ، وَالرَّبُّ لِلْجَسَد. وَاللهُ قَدْ أَقَامَ الرَّبَّ، وَسَيُقِيمُنَا نَحْنُ أَيْضًا بِقُوَّتِهِ. أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَجْسَادَكُمْ هِيَ أَعْضَاءُ الْمَسِيحِ؟ أَفَآخُذُ أَعْضَاءَ الْمَسِيحِ وَأَجْعَلُهَا أَعْضَاءَ زَانِيَةٍ؟ حَاشَا! أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَنِ الْتَصَقَ بِزَانِيَةٍ هُوَ جَسَدٌ وَاحِدٌ؟ لأَنَّهُ يَقُولُ: «يَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. وَأَمَّا مَنِ الْتَصَقَ بِالرَّبِّ فَهُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ. اُهْرُبُوا مِنَ الزِّنَا. كُلُّ خَطِيَّةٍ يَفْعَلُهَا الإِنْسَانُ هِيَ خَارِجَةٌ عَنِ الْجَسَدِ، لكِنَّ الَّذِي يَزْنِي يُخْطِئُ إِلَى جَسَدِهِ. أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيِ للهِ."
نصح بولس في رسالته الأولي لأهل كورنثوس الإصحاح الحادي عشر، النساء اللاتي يتنبأن أو يتكلمن بألسنة، وفي سياق لمعالجة قضايا السلوك، أن "تَتَغَطَّ" عند القيام بذلك. يرتبط هذا التفويض بالطريقة التي كانت تعلن بها البغايا القديمات في كثير من الأحيان عن خدماتهن. كانت البغايا المحتشمات خارج المنزل يسدلن شعرهن ويغطينه بالحجاب، أما البغايا كُنّ كاشفات الرؤوس، ويسدلن شعرهن من الخلف.
لطالما أشار العلماء إلى العديد من النساء اللاتي قابلهن يسوع في خدمته. تتمثل إحدى المشاكل التفسيرية في أن بعض النساء يوصفن ببساطة بأنهن خطاة دون تفاصيل في الأناجيل:
"وَبَيْنَمَا هُوَ مُتَّكِئٌ فِي الْبَيْتِ، إِذَا عَشَّارُونَ وَخُطَاةٌ كَثِيرُونَ قَدْ جَاءُوا وَاتَّكَأُوا مَعَ يَسُوعَ وَتَلاَمِيذِهِ. فَلَمَّا نَظَرَ الْفَرِّيسِيُّونَ قَالُوا لِتَلاَمِيذِهِ: لِمَاذَا يَأْكُلُ مُعَلِّمُكُمْ مَعَ الْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ؟ فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ قَالَ لَهُمْ: لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى." (متى 9: 10-12).
كانت وجبات الطعام تُقدَّم حين كان الناس مستلقين على الأرائك. يدّعي بعض مفسري هذا المقطع أن يسوع تحدى علانيةً التقاليد الاجتماعية من خلال مشاركة أريكته مع الخطاة حرفيًا، ويُفهم "الخطاة" في هذه الحالة على أنهم البغايا. يتأصل في هذا التفسير قول لاحق في إنجيل متى: "الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ الْعَشَّارِينَ وَالزَّوَانِيَ يَسْبِقُونَكُمْ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ [أي الفريسيين]" (متى 21: 31).
روى لوقا قصة "المرأة الخاطئة" التي دهنت يسوع بالطيب:
"وَسَأَلَهُ وَاحِدٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ، فَدَخَلَ بَيْتَ الْفَرِّيسِيِّ وَاتَّكَأَ. وَإِذَا امْرَأَةٌ فِي الْمَدِينَةِ كَانَتْ خَاطِئَةً، إِذْ عَلِمَتْ أَنَّهُ مُتَّكِئٌ فِي بَيْتِ الْفَرِّيسِيِّ، جَاءَتْ بِقَارُورَةِ طِيبٍ وَوَقَفَتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ مِنْ وَرَائِهِ بَاكِيَةً، وَابْتَدَأَتْ تَبُلُّ قَدَمَيْهِ بِالدُّمُوعِ، وَكَانَتْ تَمْسَحُهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا، وَتُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ وَتَدْهَنُهُمَا بِالطِّيبِ. فَلَمَّا رَأَى الْفَرِّيسِيُّ الَّذِي دَعَاهُ ذلِكَ، تَكَلَّمَ فِي نَفْسِهِ قِائِلًا: لَوْ كَانَ هذَا نَبِيًّا، لَعَلِمَ مَنْ هذِهِ الامَرْأَةُ الَّتِي تَلْمِسُهُ وَمَا هِيَ! إِنَّهَا خَاطِئَةٌ. فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: يَا سِمْعَانُ، عِنْدِي شَيْءٌ أَقُولُهُ لَكَ. فَقَالَ: قُلْ، يَا مُعَلِّمُ. كَانَ لِمُدَايِنٍ مَدْيُونَانِ. عَلَى الْوَاحِدِ خَمْسُمِئَةِ دِينَارٍ وَعَلَى الآخَرِ خَمْسُونَ. وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَا يُوفِيَانِ سَامَحَهُمَا جَمِيعًا. فَقُلْ: أَيُّهُمَا يَكُونُ أَكْثَرَ حُبًّا لَهُ؟ فَأَجَابَ سِمْعَانُ وَقَالَ: أَظُنُّ الَّذِي سَامَحَهُ بِالأَكْثَرِ. فَقَالَ لَهُ: بِالصَّوَابِ حَكَمْتَ. ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْمَرْأَةِ وَقَالَ لِسِمْعَانَ: أَتَنْظُرُ هذِهِ الْمَرْأَةَ؟ إِنِّي دَخَلْتُ بَيْتَكَ، وَمَاءً لأَجْلِ رِجْلَيَّ لَمْ تُعْطِ. وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ غَسَلَتْ رِجْلَيَّ بِالدُّمُوعِ وَمَسَحَتْهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا. قُبْلَةً لَمْ تُقَبِّلْنِي، وَأَمَّا هِيَ فَمُنْذُ دَخَلْتُ لَمْ تَكُفَّ عَنْ تَقْبِيلِ رِجْلَيَّ. بِزَيْتٍ لَمْ تَدْهُنْ رَأْسِي، وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ دَهَنَتْ بِالطِّيبِ رِجْلَيَّ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَقُولُ لَكَ: قَدْ غُفِرَتْ خَطَايَاهَا الْكَثِيرَةُ، لأَنَّهَا أَحَبَّتْ كَثِيرًا. وَالَّذِي يُغْفَرُ لَهُ قَلِيلٌ يُحِبُّ قَلِيلًا. ثُمَّ قَالَ لَهَا: مَغْفُورَةٌ لَكِ خَطَايَاكِ. فَابْتَدَأَ الْمُتَّكِئُونَ مَعَهُ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ: مَنْ هذَا الَّذِي يَغْفِرُ خَطَايَا أَيْضًا؟ فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: إِيمَانُكِ قَدْ خَلَّصَكِ، اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ." (7:36-50)
تعد مريم المجدلية في التقليد الغربي، (البروتستانتيّ) أشهر البغايا، ومع ذلك، لم تُعّرف على هذا النحو في الأناجيل، لم يُطلق عليها اسم تلميذة، لكن لفظة "تابع" اليونانية التي تشير إلى نفس الفهم. لوقا فقط هو الذي قدم تفاصيل: "مَرْيَمُ الَّتِي تُدْعَى الْمَجْدَلِيَّةَ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا سَبْعَةُ شَيَاطِينَ، وَيُوَنَّا امْرَأَةُ خُوزِي وَكِيلِ هِيرُودُسَ، وَسُوسَنَّةُ، وَأُخَرُ كَثِيرَاتٌ كُنَّ يَخْدِمْنَهُ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ." (لوقا 8: 2-3)، بعبارة أخرى، كانت هؤلاء النسوة الميسورات الحال ساهمن في تلبية الاحتياجات اليومية للتلاميذ. مريم المجدلية مذكورة في جميع الأناجيل الأربعة بصفتها من بين الشهود الأوائل على قيامة يسوع.
تتضمن جميع النسخ الهوليوودية لحياة يسوع قصة لا توجد إلا في مخطوطات لوقا ويوحنا المتأخرة جدًا، وهي قصة إنقاذ يسوع لامرأة من الرجم بسبب خطيئتها. جميع الصور تضع مريم المجدلية في هذا المشهد، ورغمًا عن ذلك، لم يكن البغاء خطيئة. كان البابا غريغوريوس الأول (540م-604م) هو الذي ربط بين مريم المجدلية والمرأة الخاطئة التي دهنت يسوع وقصة المرأة التي قُبض عليها بتهمة الزنا، ومع ذلك، لا تقوم الكنائس الأرثوذكسية الشرقية بهذا الربط.
كان القادة المسيحيون في القرن الثاني الميلادي، ينحدرون من خلفيات أممية (غير اليهود) وتعلموا الفلسفة اليونانية. شجع مفهوم الزهد (الانضباط) الذي كان يُدرَّس في المدارس الفلسفية على الاعتدال في استخدامات الجسد وإساءة استعماله، وشمل ذلك الأكل والشرب ولا سيما النشاط الجنسي. نجد في كتابات آباء الكنيسة هؤلاء الابتكار المسيحي الذي يصف ممارسة الجنس بصفته خطيئة، لكنها خطيئة ضرورية لإتمام الوصية بأن "أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا"، أي لتنمية الكنيسة. كان الاتصال الجنسي لأي سبب آخر هو خطيئة الشهوة، وهذا يشمل المثلية الجنسية من أي من الجنسين، كما استخدموا أسفار الأنبياء في استعاراتهم عن "الفجور الجنسي" المرتبط بعبادة الأصنام في الثقافة السائدة، دون التطرق إلى البغاء في حد ذاتها.
العصور القديمة المتأخرة والعصور الوسطى
ادعى يوسابيوس كاتب سيرة قسطنطين الذاتية، أنه بعد اعتناقه للمسيحية في عام 312م، أغلق بيوت البغاء والمعابد الخاصة بفينوس وغيرها من آلهة الخصوبة، حيث أشار إلى عدم استخدامه القوة، لكنه كتب إلى المدن التي كانت بها المعابد وشجع على وقف شعائرها، ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه في الأوصاف اللاحقة للقسطنطينية (عاصمة الإمبراطورية البيزنطية الآن)، هناك إشارات ثابتة إلى كثرة بيوت البغاء بها.
هناك قصص تفيد بأنه في عهد ثيودوسيوس الكبير (379م-395م)، حُرِقت البغايا أحياءً (إفاغريوس، التاريخ الكنسي، الجزء الثالث، 39-41)، عاقب الإمبراطور البيزنطي جستنيان (حكم من 527م إلى 565م) في عام 529 م، كل تجارة بغاء الأطفال. تروي بعض المؤلفات المثيرة للاهتمام من هذه الحِقْبَة تورط الرهبان في البغاء، حيث تروي القصص النمطية عن راهب كان يزور الحمامات أو بيوت البغاء، ثم يصاب بمرض جنسي (بالاديوس، تاريخ لاوسيا، 26).
شرح القديس أوغسطينوس (350م-430م) سبب سماح الله بوجود الشر:
"إذا محوت البغايا من الشؤون الإنسانية، فستضطرب كل الأمور بسبب الشهوات؛ وإذا وضعتهم مكان الزوجات، فستجلب العار والذل لهؤلاء الخيرات."
بعبارة أخرى، دون البغاء، سيعامل الرجال زوجاتهم مثل البغايا، مما يبطل الأمر بالإنجاب. أعاد راهب العصور الوسطي الأوغسطيني القديس توما الأكويني (1225م-1274م) صياغة قول القديس أوغسطين مدعيًا أن إزالة الدعارة سيكون مثل إزالة المجاري من القصر؛ فكلاهما سيمتلئان قريبًا بالفساد. شرّعت الكنيسة في القرون الوسطى بيوت البغاء، وأصبحت البغايا يشاركن في الاحتفالات الدينية الكاثوليكية.