تجارة التوابل وعصر الاستكشاف.

مقال

Mark Cartwright
بواسطة ، تمت ترجمته بواسطة Ibrahim Alou
نُشر في 09 June 2021
استمع إلى هذه المقالة
X
طباعة المقالة

مثّل البحث عن المنفذ المباشر لتجارة التوابل الشرقية المربحة أحد العوامل الرئيسية المحفزة لعصر الاستكشاف الأوروبي. وصلت التوابل في القرن الخامس عشر إلى أوروبا عبر الشرق الأوسط والطرق البحرية وكانت مرغوبة بشدة لإضافتها إلى أطباق الطعام واستخدامها في العقاقير. تمثلت المشكلة بكيفية الوصول إلى هذا السوق عبر البحر. ولذلك تم إرسال المستكشفين من أمثال كريستوفر كولومبوس (1451-1506) وفاسكو دا جاما (1469-1524) للعثور على طريق بحري من أوروبا إلى آسيا. عثر كولومبوس في طريقه غرباً على قارة جديدة وجنوباً دار فاسكو دا جاما حول رأس الرجاء الصالح وأبحر إلى خليج غرب أفريقيا وعبر المحيط الهادي للوصول إلى الهند. حاولت البرتغال منذ عام 1500 وصاعداً السيطرة على تجارة التوابل والموانئ التي سوقتها وبالتالي المناطق التي زرعتها ولحقتها بعد ذلك القوى الأوروبية الأخرى.

Portuguese Carrack Ships
سفن القرقور البرتغالية
Unknown Artist (Public Domain)

توابل الحياة

أطلق مصطلح "التابل" في القرون الوسطى والحقب الحديثة المبكرة حرفياً على كافة أنواع المنتجات الطبيعية الغريبة من الفلفل إلى السكر ومن الأعشاب إلى المفرزات الحيوانية. تم استيراد التوابل من الشرق إلى أوروبا منذ القدم وطور الأوروبيون ذائقة محبة لها. يُعزى جزء من جاذبية التوابل إلى النكهة التي منحتها النكهة للأطباق بالرغم من خطأ الاعتقاد السابق والذي سرى لفترة طويلة بأنها استخدمت بشكل أساسي للتعمية على الطعم السيء للحم الفاسد. تمثلت الجاذبية الأخرى في ندرتها مما جعلها إضافة أنيقة لأي مائدة ورمزاً حقيقياً للمكانة بين الأغنياء. تم استخدام التوابل لإضافة النكهة إلى الصلصات وأنواع النبيذ وتمت بلورتها والتغذي عليها بمفردها كنوع من السكاكر.

لم يتضح على وجه التأكيد مكان حصول التجار أنفسهم على تلك التوابل. تطورت قصص طويلة كثيرة عن أصل التوابل.

استخدمت التوابل الثمينة في تحضير الطعام عبر أوروبا بما في ذلك الفلفل والزنجبيل والقرنفل وجوز الطيب وزيت الطيب والقرفة والزعفران واليانسون والجدوار والكمون. اقتصر استخدام معظم تلك التوابل على موائد الأثرياء ولكن الطبقات الأفقر استخدمت الفلفل كلما تمكنت من فعل ذلك. واستهلكت التوابل بالرغم من سعرها الباهظ بكميات كبيرة. تطلبت المآدب والأعراس الملكية أكياساً من التوابل ونعلم على سبيل المثال أن آل دوق بكنغهام في بريطانيا في القرن الخامس عشر كانوا يستهلكون 900 غرام من التوابل كل يوم تكونت عموماً من الفلفل والزنجبيل.

حظيت التوابل باستخدامات أخرى إضافة إلى نكهتها. ساد الاعتقاد في العصور الوسطى والحقبة الحديثة المبكرة بأن العديد من التوابل ذات قيمة طبية. يمكن استخدامها أولاً لتنظيف الجسد وثانياً لموازنة أخلاطه الأربعة حيث شاعت الفكرة القائلة بأن الجسد المعافى يتطلب توازناً لعناصره الأساسية(أخلاطه) الأربعة. وبالتالي يتطلب النظام الغذائي الصحي توازناً لهذه الأخلاط أي ألا يكون طعام المرء شديد السخونة أو البرودة أو عالي الجفاف أو الرطوبة. ساعدت التوابل على إعادة التوازن لبعض تلك المواد الغذائية. كان السمك على سبيل المثال طعاماً بارداً ورطباً ولذلك وعبر إضافة توابل محددة لأطباق السمك تصبح تلك الخاصيتين أكثر توازناً.

أحرقت التوابل مثل البخور لأجل عطرها وربما نثرت على الأرضيات أو حتى أضيفت مباشرة للجلد. استخدمت التوابل في كل مكان من الكنائس إلى المواخير لتحسين الرائحة العطنة غالباً في الأماكن المغلقة في القرون الوسطى. شملت العطور الأغلى ثمناً والأكثر رغبة لبان الذكر والمر الحجازي والبلسم والصندل والمستكة. استخرجت مجموعة أخرى من العطور من الحيوانات وكانت ذات قيمة مرتفعة بذات المستوى. وشملت مفرزات القطط البرية(الزباد) والقنادس (خصية البحر) والأيائل(المسك). ضمت مجموعة ثالثة من التوابل العطرية مواداً كشطت من المومياوات القديمة وغيرها من الغرائب الشاذة.

Medieval Spice Merchant
تاجر التوابل في القرون الوسطى.
Lawrence OP (CC BY-NC-ND)

يمكن تناول التوابل بمفردها كعقاقير ولذلك سحقت وصنعت على شكل حبوب وكريمات وشرابات. أعتبر الفلفل الأسود علاجاً جيداً للسعال والربو ويمكنه وفق ادعاء الكيميائيين مداواة جراح الجلد السطحية ويمكن أن يعمل كترياق إزاء بعض السموم. ساد الظن أن القرفة تعالج الحمى وأن جوز الطيب كان نافعاً لنفخة البطن وأن الزنجبيل الساخن مثيراً للشهوة. اعتقد أن العديد من التوابل ذات الرائحة القوية قادرة على محاربة الروائح الفاسدة والتي ساد الاعتقاد بأنها تسبب الأمراض. ولهذا السبب وخلال العديد من موجات وباء الموت الأسود الذي اكتسح أوروبا حرق الأفراد العنبر لإبعاد المرض القاتل. والعنبر هو مادة دهنية استخرجت من أمعاء الحوت. وصنفت الأحجار الكريمة وشبه الكريمة نظراً لندرتها وصعوبة الحصول عليها ضمن التوابل. اعتقد ان بعض الأحجار مثل الزبرجد تخفف من البواسير واللازورد نافعاً للملاريا ووصف اللؤلؤ المطحون المخلوط مع أكبر كمية من التوابل الثمينة لمنع الهرم.

البحث عن التوابل

ثارت العديد من أصوات الاحتجاج ضد تلك الاعتقادات من قبل بعض الممارسين الطبيين وصرح بعض أفراد الكنيسة بأن كل هذا المال المنفق على التوابل يمكن استخدامه بشكل أفضل في موضع آخر. علاوة على ذلك ومع كل تلك الاستخدامات الممكنة ومكانتها كسلعة رفاهية يجب الحصول عليها لا غرابة أن يبدأ بعض أفراد النخبة الأوروبية بالتفكير بكيفية الحصول على الطريق المباشر لتلك التوابل من الشرق دون الدفع للتجار العرب والشرقيين. لم يتضح على وجه التأكيد مكان حصول التجار أنفسهم على تلك التوابل. تطورت قصص طويلة كثيرة عن أصل التوابل وبحلول القرن الثالث عشر بدأ الرحالة من أمثال ماركو بولو (1254-1324) والمبشرين بتحسين معرفة أوروبا الجغرافية بالعالم الأوسع. بدت الهند زاخرة بالفلفل وسيريلانكا غنية بالقرفة وأحضر خشب الصندل من تيمور. حصلت الصين واليابان على التوابل مثل القرنفل وجوز الطيب وزيت الطيب من الهند وجنوب شرق آسيا وجزر الملوك فيما يعرف اليوم بإندونيسيا ولا غرابة أن تكنى بجزر التوابل.

ثم سقطت القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية في عام 1453 على يد الإمبراطورية العثمانية وبذا سقط أحد الطرق البرية الرئيسية للتوابل إلى أوروبا. مثل ذلك سبباً إضافياً للتجار الأوروبيين للعثور على منفذهم الخاص لطرق تجارة التوابل وعند التمكن تحقيق السيطرة على انتاجها في مصدرها. وربما يمكن ذلك القوى الأوروبية مثل إسبانيا والبرتغال من تسديد صفعة حادة لمنافسيها في أوروبا وعلى الأخص الدول البحرية الإيطالية مثل البندقية وجنوا. علاوة على ذلك تبرز الفائدة الإضافية للالتفاف على التجار المسلمين الذين سيطروا على التجارة في أسواق التوابل في عدن والإسكندرية في عدم حاجة المسيحية لمنح ذهبها لغريمها الإيديولوجي رقم واحد. وربما تواجد حلفاء مسيحيون في آسيا لم تعرفهم أوروبا بعد.

سيساهم اكتشاف أراضي زراعية جديدة من الناحية العملية لزراعة محاصيل الحبوب في تخفيض العجز التجاري. وهناك الأرجحية الحقيقية لاكتساب النخبة الأوروبية وأولئك البحارة، الذين تجرأوا على الإبحار في المجهول، الثروة والمكانة الاجتماعية الرفيعة. وأخيراً كان النظام الاقطاعي في أوروبا قد بدأ بالانحسار مع تقسيم الأراضي لقطع أصغر فأصغر لجيل إثر جيل من الأبناء. لم يعرف كثير من اللوردات ما يفعلون بثالث أو رابع أبنائهم ومثّل إرسالهم إلى أراضي أجنبية لاكتساب ثرواتهم حلاً سعيداً للطرفين.

تواجدت إذاً دوافع اقتصادية وسياسية ودينية للعثور على طريق بحري من أوروبا إلى آسيا. أبحر المستكشفون يمخرون عباب الآفاق المجهولة بدعم من التاج والكنيسة إضافة إلى المستثمرين من القطاع الخاص الذين حلموا بالعوائد الهائلة.

Portuguese Colonial Empire in the Age of Exploration
الإمبراطورية الاستعمارية البرتغالية في عصر الاستكشاف.
Simeon Netchev (CC BY-NC-ND)

الطريق البحري إلى آسيا

جرت تجارة التوابل الشرقية منذ القدم. حضرت التوابل قبل القرن السادس عشر عبر الطرق البرية والبحرية من الشرق عبر الخليج الفارسي والبحر الأحمر وعبر مصر أو شبه الجزيرة العربية ومن ثم إلى البحر الأبيض المتوسط. كان طريق الحرير من الصين عبر أوراسيا طريقاً آخر سلكته التوابل للوصول إلى الأسواق الأوروبية. وكما يلخص المؤرخ م ن بيرسون كانت تكاليف إيصال التوابل إلى أوروبا عبر طرق الشرق الأوسط التقليدية مرتفعة بالفعل:

كان سعر الكيلوغرام من الفلفل، وهو ينتقل من يد ليد، هائلاً إذ يكلف ما بين 1 إلى 2 غرام من الفضة في نقطة الإنتاج وما بين 10 إلى 14 غرام في الإسكندرية و14 إلى 18 غرام في البندقية و20 إلى 30 غرام في البلدان الأوروبية المستهلكة.

يمكن اكتساب الثروات إذاً إذا تمكن الأوروبيون من تجاوز الطرق المؤسسة وتلبية الطلب المتزايد باستمرار على التوابل في أوروبا. ومن أجل تحقيق ذلك تعين العثور على طريق بحري إلى آسيا.

ظن كريستوفر كولومبوس في عام 1492 أنه يستطيع العثور على ذلك المسار عبر الإبحار غرباً عبر المحيط الأطلسي ولكنه لم ينجح إلا في العثور على كتلة أرضية أخرى في طريقه: الأمريكيتين. اعتقد البرتغاليون أنهم سيعثرون على آسيا عبر الإبحار حول القارة الأفريقية. أبحر بارتولوميو دياس في عام 1488 جنوباً غرب أفريقيا وقام بأول رحلة حول رأس الرجاء الصالح والقمة الجنوبية للقارة الأفريقية (جنوب أفريقيا اليوم). تبعه فاسكو دا جاما الذي قام في الفترة ما بين 1497 و1499 باللف حول رأس الرجاء الصالح ومن ثم أبحر شمالاً نحو خليج شرق أفريقيا وعبر المحيط الهندي ليصل إلى كاليكوت (الآن كوزيكود) على خليج مالابار في جنوب الهند. وأخيراً عثر الأوربيون على طريق بحري مباشر لثروات الشرق. تستطيع السفن الأوروبية عندئذ الإبحار من خليج مالابار الهندي إلى الشرق نحو جزر التوابل وجنوب شرق آسيا. فتح فرانسيسكو سيراو طريقاً عبر إبحاره إلى جزر التوابل في عام 1512 وفريديناند ماجلان (1480-1521) عندما قام بأول التفاف حول الكرة الأرضية في الفترة ما بين عام 1519 وعام 1522 خدمة لإسبانيا.

Vasco da Gama Arriving at Calicut, India
وصول فاسكو دا جاما إلى كاليكوت في الهند.
Roque Gameiro (Public Domain)

الاستعمار البرتغالي

كان المنفذ الجغرافي إلى تجارة التوابل شيئاً وما حُمّل على التجارة كان شيئاً آخر. تمثلت المشكلة الأولى والأكبر لدى البرتغاليين، في طموحاتهم التجارية في الشرق، عدم امتلاكهم حقيقة لأي سلعة قد يرغبها التجار المسلمين أو الهنود. تمتع الكثير من الحكام بثراء فاحش من ذي قبل وعزفوا عن إحداث أي تغييرات في شبكة تجارية إقليمية كانت تعمل بشكل ممتاز والأهم من ذلك كله بأمان تام. قرر البرتغاليون استخدام شيء وحيد لصالحهم: التفوق بالأسلحة والسفن. امتلك بعض الحكام الهنود وبعض التجار العرب بعض المدافع ولكنها لم ترقى لنوعية المدافع الأوروبية والأهم من ذلك بناء السفن التجارية في المحيط الهندي لتلبية مطالب الشحن والسرعة وليس للحرب البحرية. بينما كان الأوربيون بالمقارنة يخوضون معارك بحرية منذ بعض الوقت.

وعلى سبيل المثال كان الكنتال(القنطار) من الفلفل (100 كغ-220 رطل) يشترى مقابل 6 كروزادوس (عملة ذهبية في تلك الفترة) ويباع في أوروبا بما لا يقل عن 20 كروزادوس.

إذاً كان الحل بسيطاً: الاستيلاء على شبكة التجارة بالقوة وتأسيس احتكاراً لتجارة التوابل ليس بمعايير آسيا مع أوروبا ولكن ضمن آسيا نفسها. يمكن الحصول على التوابل من زراعها بأبخس الأسعار مقابل سلع متدنية القيمة مثل الأقمشة القطنية والمواد الغذائية الجافة والنحاس ومن ثم بيعها في أوروبا بأعلى سعر ممكن. يمكن المتاجرة بالتوابل ضمن آسيا من ميناء إلى ميناء آخر ومقايضتها بسلع ثمينة مثل الذهب والفضة والجواهر واللؤلؤ والأقمشة الفارهة.

ولذلك تم إرسال سفناً حربية أكثر حول رأس الرجاء الصالح وبينت القلاع في كل مكان ابتداء بكوشين البرتغالية(كوتشي) في الهند في عام 1503 والانتقال لاحقاً إلى اليابان. أزيحت السفن المنافسة من المياه ومنحت البلدات غير المتعاونة وابلاً من النار. تمت مصادرة السلع والضغط على التجار من أجل الحصول على صفقات ملائمة. أعلن الملك مانويل الأول ملك البرتغال (1495-1521) احتكاراً ملكياً لتجارة التوابل ولم يثنيه عن ذلك المساحة الجغرافية المهولة التي تعين على البرتغاليين حراستها. عين مندوباً للهند في عام 1505 مع العلم أن البرتغاليين لم يكن لهم أية أهداف مناطقية خارج نطاق السيطرة على مراكز التجارة الساحلية. تأسست جوا البرتغالية في عام 1510 على الخليج الغربي للهند وخلال 20 عاماً أصبحت عاصمة الهند البرتغالية. وتم الاستيلاء على ملقة في ماليزيا في عام 1511. تبعها هرمز في مدخل الخليج الفارسي في عام 1515 وتم تأسيس قلعة في كولومبو في سيريلانكا في عام 1518.

الاحتكار الملكي

كان تعزيز الاحتكار على تجارة التوابل عبر ثلث الكرة الأرضية أمراً شبه مستحيل من الناحية العملية ولكن البرتغاليين نجحوا فيه إلى حد ما. إضافة إلى استخدام المدافع كما ذكرنا أنفاً تم تطبيق بعض الإجراءات الإدارية. أولاً تم القبض على أي تاجر خاص سواء كان أوروبياً أو غير أوروبي، يحمل حمولة من التوابل ومصادرة متاعه وسفينته. خُشي من التجار المسلمين وغالباً ما تعرضوا للإعدام. وبعد أن أدرك البرتغاليين استحالة تطبيق هذه السياسة في كل مكان سُمح لبعض التجار المحليين بالمتاجرة بكميات محدودة من التوابل وغالباً ما اقتصر الأمر على واحد منها وفي الغالب الفلفل. وسُمح لطواقم السفن الأوروبية بأخذ كميات من التوابل كبديل لرواتبهم (ويكفي ملء كيس من التوابل لشراء منزل في بلدانهم).

وثمة طريقة أخرى للسيطرة على تجارة التوابل والسلع الأخرى عبر السماح للسفن بالرسو في موانئ محددة إذا حصلت على رخصة ملكية. وباختصار لم تعد البحار مجانية بعد الآن. توجب على السفن المتاجرة بسلع أخرى غير التوابل الإبحار باستخدام جواز سفر تطبعه البرتغال أو ما يسمى كارتاز وإذا لم تحمله يتم مصادرة الشحنة والسفينة وسجن الطاقم الذي قد يتعرض لما هو أسوأ من ذلك. توجب على السفن أيضاً بالإضافة إلى الكارتاز دفع رسوم الجمارك في ميناء الرسو. وأرغمت كافة السفن على الإبحار ضمن قوافل تحميها البرتغال أو ما يسمى الكافيلاس(القوافل) لضمان تحصيل الجمارك.. شكل القراصنة تهديداً في المحيط الهندي وخارجه ولكن الغاية الحقيقية من تلك الاجراءات ضمان توقف كافة السفن المتاجرة في ميناء يخضع للسيطرة البرتغالية حيث يتعين عليهم دفع الجمارك (بالإضافة إلى تأمين نقدي لضمان عودتهم لدفع دفعة ثانية.).

وصل مجموع رسوم الجمارك إلى حوالي 60% من مجموع العوائد البرتغالية في الشرق عبر هذه الطرق المتنوعة. إضافة إلى ذلك تحققت الأرباح كما هو المأمول من التوابل نفسها. استطاع البرتغاليون الآن شراء التوابل من مصدرها. وعلى سبيل المثال كان الكنتال(القنطار) من الفلفل (100 كغ-220 رطل) يشترى مقابل 6 كروزادوس (عملة ذهبية في تلك الفترة) ويباع في أوروبا بما لا يقل عن 20 كروزادوس. تواجدت بالطبع تكاليف نقل وصيانة سفن المراقبة والقلاع ولكن بالمجمل تمكن البرتغاليون من تحقيق ربح بقيمة 90% على استثماراتهم. علاوة على ذلك كلما زادت كمية التوابل المستوردة كلما انخفض مجموع التكاليف. وأصبحت رغبة البرتغاليين بشراء والتحكم بالتوابل لا تشبع.

كانت لمحاولة السيطرة على تجارة التوابل عواقب أخرى إضافة إلى تلك العواقب المومأ إليها. تحولت شبكة التجارة إلى مناطق أخرى لدرجة اسفرت عن تراجع بعض المراكز المؤسسة مثل كوشين ونهوض مراكز أخرى مثل جوا. نشر المبشرون المعتقد المسيحي. أدخلت النباتات والحيوانات إلى مناطق جديدة وتسببت بمضاعفات غير منظورة في الموائل واضطراب ميزان الأنظمة الايكولوجية المحلية. انتشرت الأمراض في كل الاتجاهات لتعثر على المزيد من الضحايا.

The Port of Calicut in 1572
ميناء كاليكوت في عام 1572.
Unknown Artist (Public Domain)

انفتاح آسيا

أسس البرتغاليون إلى حد ما احتكاراً لتجارة التوابل في أوروبا ولكن سيطرتهم في آسيا كانت قصيرة العمر. تجنب التجار الآسيويين، كلما حانت لهم الفرصة، الأوروبيين وتابعوا تجارتهم الحرة من الجمارك. ومن المهم أن نلاحظ أن أوروبا لم تسيطر إلا على حوالي ربع التجارة العالمية بالتوابل. كان الكثير من المسؤولين البرتغاليين نفسهم فاسدين وتاجروا بدون أن يدفعوا للتاج حصته من الدخل. بدأت الطرق البرية والبحرية لنقل التوابل في الشرق الأوسط، والتي لم تستبدل بالكامل برأس الرجاء الصالح، بالازدهار مرة ثانية في النصف الثاني من القرن السادس عشر بفضل الطلب المتزايد على التوابل في أوروبا.

هبت على دول أوروبية أخرى رياح الثراء المتوفرة لأولئك المالكين لمنفذ مباشر إلى التوابل. قام البحار الإنجليزي فرانسيس دريك (1540-1596) في الفترة ما بين 1577 و1580 بالدوران حول الأرض وتوقف في جزر التوابل لتحميل حمولة من القرنفل. كان أول من تجرأ على تحدي البرتغاليين هم الهولنديين الذين لم يجدوا، ابتداء من عام 1596، غضاضة في مهاجمة القلاع في المراكز البرتغالية التي كانت ضعيفة التحصين وعانت في الغالب من نقص الدعم. كانت المناطق المشمولة شاسعة المساحة ولذلك لم يتمكن البرتغاليون من حراسة حتى جزء صغير منها. سيطر الهولنديون بشكل مباشر على جزر التوابل واستولوا على ملقة (1641) وكولومبو (1656) وكوشين (1663). استطاع الهولنديون عبر السيطرة على مصدر التوابل فرض شروطهم على تجارة التوابل العالمية واستيراد ثلاثة اضعاف كميات التوابل التي تمكن البرتغاليون من نقلها إلى أوروبا. استولى الفرس بمساعدة الانجليز على مضيق هرمز في عام 1622. حقق الماراثا الهندوس انتصارات كبيرة في جنوب الهند وهددوا المراكز البرتغالية هناك. سيطر التجار الكوجارات على تجارة خليج البنغال. وباختصار أحب الجميع التوابل والثراء الذي جلبته.

بدأت الدول الأوروبية الآن بتبني سياساتها الخارجية. لم تعد القضية بعد الآن حالة استكشاف لتأسيس العديد من مراكز التجارة الساحلية. تمحور الاستعمار الآن حول الاحتفاظ بالمنطقة وغزو الشعوب الأصلية وإعادة توطين الأوربيين. أسس الهولنديون والانجليز شركات تجارية سمحت بامتلاك أكثر فعالية للسلع وتوزيعها. حل قصب السكر والقطن والشاي والأفيون والذهب والألماس والعبيد محل التوابل في الاقتصاد العالمي مع تسارع القوى الأوروبية للاستيلاء على العالم وبناء إمبراطورية. وبذا فتح السعي للسيطرة على تجارة التوابل العالم ولكنه أصبح عالماً أكثر عنفاً واضطراباً في القرون التالية.

نبذة عن المترجم

Ibrahim Alou
أترجم مقالات من اللغة الانجليزية إلى العربية وبالعكس. نشرت في العديد من المجلات والصحف العربية الرائدة. أهتم بمواضيع التاريخ الحديث والعلوم عموماً. إبراهيم عبدالله العلو. مترجم سوري مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية.

نبذة عن الكاتب

Mark Cartwright
مارك كاتب وباحث ومؤرخ ومحرر. تشمل اهتماماته الخاصة الفنون والعمارة واكتشاف أفكار مشتركة بين الحضارات. وهو حاصل على درجة الماجستير في الفلسفة السياسية ومدير النشر في WHE.

استشهد بهذا العمل

نمط APA

Cartwright, M. (2021, June 09). تجارة التوابل وعصر الاستكشاف. [The Spice Trade & the Age of Exploration]. (I. Alou, المترجم). World History Encyclopedia. تم استرجاعها من https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-1777/

أسلوب شيكاغو

Cartwright, Mark. "تجارة التوابل وعصر الاستكشاف.." تمت ترجمته بواسطة Ibrahim Alou. World History Encyclopedia. آخر تعديل June 09, 2021. https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-1777/.

أسلوب إم إل إيه

Cartwright, Mark. "تجارة التوابل وعصر الاستكشاف.." تمت ترجمته بواسطة Ibrahim Alou. World History Encyclopedia. World History Encyclopedia, 09 Jun 2021. الويب. 14 Nov 2024.