الفلفل

تعريف

James Hancock
بواسطة ، تمت ترجمته بواسطة Ibrahim Alou
نُشر في 02 September 2021
استمع إلى هذه المقالة
X
طباعة المقالة
Black Pepper (by Hubertl, CC BY)
الفلفل الأسود
Hubertl (CC BY)

أُعتبر الفلفل منذ القدم أكثر التوابل أهمية في العالم. ولعب دوراً مركزياً في عقاقير الهند القديمة والصين وأصبح مكوناً اساسياً في الأغذية الرومانية وبقي مكوناً مركزياً في مطبخ أوروبا القرون الوسطى. دفعت الاحلام بالحصول عليه فاسكو دا غاما (1469-1524) للإبحار حول رأس أفريقيا إلى المحيط الهندي وكريستوفر كولومبوس (1451-1506) عبر المحيط الأطلسي إلى العالم الجديد.

الفلفل في الهند القديمة والصين

بدأت زراعة الفلفل قبل آلاف السنين في الهند حيث نشأت ومن ثم أُدخلت إلى الجزر الإندونيسية الرئيسية عبر التجارة. تم استزراع نوعين من الفلفل: الفلفل الطويل (بيبر لونجوم) في شمال شرق الهند والفلفل الأسود (بيبر نيجروم) في جنوب غرب الهند. كان الفلفل الطويل أكثر أنواع الفلفل شيوعاً في روما بسبب شدة حرافته بينما سيطر الفلفل الأسود في أوروبا القرون الوسطى بسبب سهولة توفره للتجار. ونجد اليوم أن الفلفل الطويل قد نسي في معظم المناطق.

كان الفلفل مركباً أساسياً في نظام الطب الهندي(الايورفيدي) القديم.

يتواجد الكثير من السجلات عن الاستخدامات الطبية للفلفل في الهند والتي يرجع تاريخها إلى ما لا يقل عن 3000 سنة. كان الفلفل مركباً أساسياً في نظام الطب الهندي (الايورفيدي) القديم. ووجد طريقه إلى الصين في غابر الزمان. ويوجد دليل مكتوب على المتاجرة به برياً من الهند إلى مقاطعة سيشوان بحلول القرن الثاني قبل الميلاد. وذُكر الفلفل في السجلات التاريخية لسلالة هان (202قبل الميلاد-220 للميلاد) التي نشرت في القرن الخامس الميلادي وفي سجلات سلالة تانغ. بعد ذلك بأربعة قرون. جُلب الفلفل إلى الصين من الهند في البداية لغايات طبية وسرعان ما أصبح تابلاً مهماً في أطعمتها.

تم استيراد الفلفل إلى مصر بحلول عصر المملكة الجديدة (1570-1069 قبل الميلاد) وعثر عليه محشواً داخل خياشيم مومياء رمسيس الثاني الذي توفي عام 1213 قبل الميلاد. ولا يُعرف المزيد عن كيفية استخدام المصريين للفلفل أو التفاصيل الكاملة لكيفية وصوله إلى هناك ولكن من المعلوم تواجد تجارة نشطة بين الهند وشبه الجزيرة العربية بحلول ذلك الوقت وأن المصريين أرسلوا السفن أسفل نهر النيل إلى ما يسمى اليوم أرض بنط (مناطق الصومال حالياً. المترجم) للحصول على السلع الغريبة مثل لبان الذكر والمر الحجازي والقرفة.

الفلفل في الإمبراطورية الرومانية

عُرف الفلفل بنوعيه الطويل والأسود في اليونان بحلول القرن الرابع قبل الميلاد وربما كمادة رفاهية لا يقوى على حيازتها سوى صفوة الأغنياء. اُستخدم الفلفل على الأغلب في العقاقير ولتنكيه النبيذ. ارتفعت شعبية الفلفل في أوروبا بشكل درامي في عام 30 قبل الميلاد بعد غزو روما لمصر وانتشر استخدامه بسرعة إلى بلاد الغال الرومانية (فرنسا وألمانيا اليوم) وبريطانيا الرومانية. أصبح الفلفل مكوناً رئيسياً في طعام العالم الروماني واستخدمه الأغنياء بكثرة في كل ما يأكلونه تقريباً. وفي كتاب الطبخ المنسوب إلى الطاهي الروماني الشهير ابيكيوس دخل الفلفل في أكثر من 70% من الوصفات (349 من أصل 469 وصفة).

حفل المطبخ الروماني بالنكهات الغريبة بما في ذلك الزنجبيل من الصين والفلفل من الهند.... كان الفلفل الهندي شائعاً على الأخص وباهظ السعر. واُستخدم في صلصات الأسماك واللحوم وفي العقاقير وفي الشرابات المنشطة والتي ساد الاعتقاد أنها تعالج العجز الجنسي. مزج الرومان الفلفل والأعشاب العطرية الأخرى مع نبيذهم: أضافوا مكونات مثل لبان الذكر والمر الحجازي والقرفة والزنجبيل والهال إلى النبيذ وتم تسخينه على نار بطيئة. (سينجر،16).

بدأ الرومان بالقيام برحلات اعتيادية عبر بحر العرب إلى ساحل مالابار في جنوبي الهند بحلول الألف الأول الميلادي. سُردت تفاصيل محددة لتلك الرحلات في كتاب دليل البحر الأحمر الذي كتبه بحار مجهول يتحدث اليونانية في الفترة ما بين عام 45 و55 للميلاد. تم تجميع معظم الفلفل في مدينة موزيريس على الساحل الغربي للهند في سفن ضخمة ذات سعات تزيد عن 400 طن.

Ancient Indian Maritime Trade Routes
طرق التجارة البحرية الهندية القديمة
George Tsiagalakis (CC BY-SA)

ذكر الجغرافي اليوناني سترابو (16.4) أن الإمبراطورية الرومانية أرسلت 120 سفينة في رحلة تستغرق سنة كاملة كل عام إلى الهند والعودة باستغلال الرياح الموسمية. تمر السفن في طريق العودة عبر البحر الأحمر إلى بيرينيس حيث تفرغ الحمولة وتُحمل عبر الصحراء إلى نهر النيل ثم تطوف بعبارة إلى الإسكندرية في مصر الرومانية وتشحن إلى أوروبا حيث تُفرغ وتُخزن في مخازن كبرى للفلفل في حي مخصص للفلفل في روما. استمرت هذه الحركة العظيمة للفلفل إلى روما حتى سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية في القرن الخامس الميلادي. وتقول الرواية أن آلاريك القوطي الغربي طلب من روما فدية تتكون من أكثر من طن من الفلفل عندما حاصر المدينة في عام 410 للميلاد.

وربما كانت تكلفة تجارة الفلفل الروماني باهظة الثمن حيث اشتكى الموسوعي الروماني بيليني في القرن الأول الميلادي: "لا يمر عام دون أن تستنزف الهند الإمبراطورية الرومانية بمبلغ 50 مليون سسترس (أكثر من 100 مليون دولار بأسعار اليوم)". ووصف إغراء وقيمة الفلفل بالقول: “لماذا نحبه إلى هذه الدرجة؟ تجذبنا بعض الأطعمة بسبب الحلاوة وبعضها بفضل المظهر ولكن لا تمتلك حبة أو حسلة الفلفل أي شيء يستحق القول. نرغب به فقط بسبب قضمه- ونذهب إلى الهند للحصول عليه. من أول شخص استخدمه مع الطعام؟ ومن ذلك الفضولي الذي طور شهية لا يقوى الجوع على القيام بتلك الحيلة؟ ينمو الفلفل والزنجبيل بشكل بري في بلدانها الأصلية ونحن نثمنه بالذهب والفضة"(بيليني الأكبر، التاريخ الطبيعي،12.14).

الفلفل في العصور الوسطى

وصلت شعبية الفلفل في كل من الطب والمطبخ ذروتها التاريخية خلال العصور الوسطى في أوروبا. لم يقتصر اعتبار الفلفل والتوابل الأخرى صحية فحسب ولكنها اعتبرت على نطاق واسع معززة للخصائص الطبيعية للغذاء. كان الطعام في العصور الوسطى ثرياً بالتوابل ومُعَامل إلى حد كبير. ولم يستهلك الطعام النيء إلا فيما ندر بما في ذلك الخضار والفواكه. اُستخدمت التوابل لتنكيه كافة الأغذية بما في ذلك اللحوم والأسماك والحساء والأطباق الحلوة والنبيذ. وكان من الشائع خلال المآدب في العصور الوسطى تمرير "طبق من التوابل"حيث يستطيع الضيوف اختيار ما يرغبون من توابل إضافية مثل الفلفل لوجباتهم المترعة أصلاً بها.

تحفل السجلات التاريخية بإشارات إلى الاستخدام الغزير للتوابل بين الأثرياء في أوربا العصور الوسطى.

يخبرنا الخبير الشهير بفن الطهي في القرون الوسطى بول فريدمان أن "التوابل كانت شديدة الحضور في طعام القرون الوسطى واحتوت ما يقرب من 75% من وصفات الطعام في ذلك الوقت على التوابل"(50). وفي النسخة المحدثة من كتاب" بلين ديليت: طهي القرون الوسطى للطهاة الحديثين" يقدم المؤلفون 131 وصفة من القرون الوسطى يحتوي 92 منها على الفلفل وتوابل أخرى.

تحفل السجلات التاريخية بإشارات إلى الاستخدام الغزير للتوابل بين الأثرياء في القرون الوسطى. عندما قام ويليام الأول من أسكوتلندا الذي حكم ما بين (1165-1214) بزيارة ريتشارد الأول من بريطانيا والذي حكم ما بين (1189-1199) في عام 1194 تلقى من بين هدايا أخرى مخصصات يومية من 4 رطل (1800 غرام) من القرفة ورطلين (900 غرام) من الفلفل (وبالطبع أكثر مما يستطيع استهلاكه في يوم). وكانت أسماك الجلكي وهي من الأطعمة الشائعة في قلعة انجليزية في القرون الوسطى تدهن بصلصلة مفلفلة. ويقال أن الملك هنري الأول من بريطانيا (حكم ما بين 1100-1135) توفي بعد تناول وجبة ضخمة من الجلكي المدهون بالفلفل (وعلى الأغلب كان تسميم الطعام هو المسبب للوفاة). صنعت صلصة قدمت في عيد سانت ادوارد في عام 1264 باستخدام 15 رطل (حوالي 7 كغ) من القرفة و12.5 رطل (5.5 كغ) من الكمون و20 رطل(9كغ) من الفلفل. ويوجد سجل من مأدبة لأربعين شخصاً في بريطانيا العصور الوسطى حيث تم تتبيل الطعام برطل(450غرام) من زهرة الحوض ونصف رطل (225 غرام) من السكر وأونصة (7 غرام) من الزعفران وربع رطل (110 غرام) من القرنفل وثمن رطل (55 غرام) من جوز الطيب وثمن رطل (55 غرام) من الفلفل.

Medieval Dinner Table
طاولة عشاء من القرون الوسطى
Mary Harrsch (CC BY-NC-SA)

لطالما ناقش العلماء طويلاً سبب شعبية التوابل في مطبخ القرون الوسطى. ومن المؤكد أنها كانت تستخدم لحفظ اللحوم أو للتعمية على نكهة المنتجات المتحللة ولكن تأثيراتها كانت أقل من تأثير العادات الشائعة مثل التمليح والتدخين أو التخليل. أكد البعض أن الاستخدام المفرط للتوابل في تحضير الطعام يعود إلى النظريات الطبية لجالينوس (129-216 للميلاد) التي شجعت مفاعيلها على الصحة. لا يوجد سبب يدعو للاعتقاد أن الأكلين في العصور الوسطى التزموا بأنظمة غذائية صحية أكثر من الناس اليوم. وعلى الأغلب ضمنت لهم الأصول الغريبة للتوابل واثمانها الباهظة رمزاً للمكانة الاجتماعية ودفعتهم إلى استخدامها على نطاق واسع.

كان الفلفل جزءً حيوياً من النظام الغذائي الصيني في العصور الوسطى. عندما سافر ماركو بولو (1254-1324) إلى هناك في عام 1271 اكتشف أن الفلفل كان مكوناً أساسياً في الطبخ الصيني وأصبحت التجارة بالفلفل قوة اقتصادية مهمة. وأخبره مسؤول في الجمارك أن مدينة هانجزو كانت تستهلك حمولة 43 عربة كل يوم يزن كل منها 223 رطل(101كغ) من الفلفل. تم نقل كميات هائلة من الفلفل بواسطة السفن الشراعية الصينية من جاوة وسومطرة وما يصل إلى 5000 إلى 6000 سلة في كل منها. وبحلول عصر سلالة سونغ (1271-1367) كان من المعتاد بالنسبة للدبلوماسيين في جنوب آسيا تقديم هدايا من الفلفل للحكام الصينيين.

الفلفل يفقد حظوته

بقي سوق الفلفل والتوابل قوياً في أوروبا حتى أواسط القرن السابع عشر عندما هبط على نحو شديد لعدة أسباب. وكما يصف فريدمان:

وصلت مجموعة جديدة من المشروبات والمنبهات والنكهات بما في ذلك الشاي والقهوة والشوكولا والتبغ والتي وفرت أحاسيس مذاقية جديدة وولدت تأثيرات سيكولوجية و ثبت أنها تسبب الإدمان الخفيف وفي حالة التبغ الإدمان الجدي ... أصبحت التوابل أرخص ثمناً مع الاستعمار وافتتاح طرق التجارة الجديدة بحيث لم يعد استهلاكها ينقل شعوراً ملائماً بالامتياز والاستثنائية. (221).

Long Pepper
الفلفل الطويل
Lemmikkipuu (CC BY-SA)

أصبحت أصول التوابل الآن معروفة جيداً ولم تعد غامضة أو غريبة بعد الآن. وربما الأهم من ذلك كله تواجد "تحول زلزالي بالمذاقات. لم يعد أثرياء أوروبا محبين للأطعمة الحريفة والمعطرة"(فريدمان224).

دفع انخفاض استهلاك التوابل في أوروبا إلى تغيير درامي بصادرات الهند وجنوب شرق آسيا إلى أوروبا. حل محل التوابل أولاً القطن في أواخر القرن السابع عشر ومن ثم الشاي والقهوة في القرن الثامن عشر. تحول قسم كبير من التجارة الهولندية والبريطانية إلى المحيط الأطلسي وما جاد به من سكر وتبغ وعبيد.

حول المترجم

Ibrahim Alou
أترجم مقالات من اللغة الانجليزية إلى العربية وبالعكس. نشرت في العديد من المجلات والصحف العربية الرائدة. أهتم بمواضيع التاريخ الحديث والعلوم عموماً. إبراهيم عبدالله العلو. مترجم سوري مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية.

حول المؤلف

James Hancock
جيمس ف هانكوك هو كاتب وبروفسور سابق في جامعة ميتشغان الحكومية. تتمحور اهتماماته الرئيسية حول تطور المحاصيل وتاريخ التجارة. من بين كتبه: "التوابل والعطور والحرير" وكتاب "محاصيل المزارع الشاسعة"

استشهد بهذا العمل

نمط APA

Hancock, J. (2021, September 02). الفلفل [Pepper]. (I. Alou, المترجم). World History Encyclopedia. تم استرجاعها من https://www.worldhistory.org/trans/ar/1-10038/

أسلوب شيكاغو

Hancock, James. "الفلفل." تمت ترجمته بواسطة Ibrahim Alou. World History Encyclopedia. آخر تعديل September 02, 2021. https://www.worldhistory.org/trans/ar/1-10038/.

أسلوب إم إل إيه

Hancock, James. "الفلفل." تمت ترجمته بواسطة Ibrahim Alou. World History Encyclopedia. World History Encyclopedia, 02 Sep 2021. الويب. 10 Oct 2024.