
عصر الاضمحلال الأول (2181-2040 ق.م) هو العصر الذي تلي عصر الدولة القديمة (حوالي 2613-2181 ق.م) ويسبق عصر الدولة الوسطى (2040-1782 ق.م) من التاريخ المصري. حاز هذا العصر على اسمه من علماء المصريات في القرن التاسع عشر، وليس القدماء المصريين.
يُشار إلى العصور المستقرة من التاريخ المصري باسم "الدول" في حين تُعرف عصور الصراع السياسي أو عدم الاستقرار باسم "عصور الاضمحلال". لطالما وُصفت هذا العصر بـ "العصر المظلم"؛ حيث انهارت حكومة الدولة القديمة المركزية، -التي بُنيت على غرار العصر العتيق في مصر (حوالي 3150-2613 ق.م) - وغرقت البلاد في الفوضى. قامت الدراسات الحديثة بمراجعة هذا الرأي، والآن يُنظر إلى عصر الاضمحلال الأول على أنه عصر تغيير وانتقال، حيث نُشِرَت السلطة والعادات التي أملاها النظام الملكي في منف، عاصمة الدولة القديمة، في جميع أنحاء البلاد إلى أولئك الذين كانوا في مكانة أدنى تقليديًا.
ربما تكون أفضل طريقة لفهم عصر الاضمحلال الأول في مصر هي النظر في رأسمالية التجزئة الحديثة والنزعة الاستهلاكية الجماعية؛ كان متجر مايسيز الأمريكي متعدد الأقسام في مدينة نيويورك في منتصف القرن التاسع عشر (حوالي عام 1858) يتباهى بأنه يبيع "بضائع تناسب المليونير بأسعار في متناول الملايين" (14 ستريت تريبيون، 2). كانت بعض السلع متاحة فقط للأثرياء الذين كان لديهم الدخل المتاح للإنفاق على مثل هذه المشتريات، قبل الثورة الصناعية والنزعة الاستهلاكية الجماعية، ومع ظهور المتاجر الكبرى مثل: متاجر مايسيز، بعد الثورة الصناعية والإنتاج الضخم، أصبحت هذه الأنواع من السلع، وإن كانت أقل جودة، متاحة لأي شخص بتكلفة أقل بكثير.
هذا بالضبط ما حدث خلال عصر الاضمحلال الأول في مصر، فأولئك الذين لم يكن بمقدورهم في السابق تحمل ثمن المنازل الفاخرة والحدائق والمقابر ونقوش المقابر أو نصوص الأهرام الخاصة بهم لإرشادهم في الحياة الآخرة، وجدوا الآن أن بإمكانهم ذلك لأن الثروة لم تعد في أيدي الطبقة العليا من النبلاء فقط، فبينما كان الملك وحده هو الذي يحصل على نقوش المقابر في صورة نصوص الأهرام، أصبح النبلاء والمسؤولون والناس العاديون الآن يحصلون أيضًا على كتاب إرشادي للعالم السفلي عن طريق نصوص التوابيت.
كان هذا ممكنًا بسبب انهيار الحكومة المركزية في منف وظهور أفراد من الأمراء (حكام أو مديري النواميس أو الأقاليم المصرية) الذين كانوا في النهاية يتمتعون بسلطة أكبر من سلطة ملك مصر، فطوال عصر الأسرة الرابعة في الدولة القديمة، خُصِّصَ قدر كبير من الموارد والقوى البشرية لبناء الأهرام والمجمعات الجنائزية في الجيزة، ومع نمو هذا الموقع، ازدادت أيضًا سلطة الكهنة الذين كانوا يديرون الموقع وغيره ويعتنوا به.
بدأ كهنة الجنائز، خاصة أولئك المرتبطين بإله الشمس رع، في جمع ثروة أكبر من ثروة العديد من النبلاء، وكان الكهنة أقوياء بما فيه الكفاية للتأثير على المسؤولين المحليين، وكلما اكتسب الكهنة المزيد من القوة، ازدادت سلطتهم أيضًا، ومع ازدياد ثراء الأقاليم الفردية، أصبح بإمكان المزيد من الناس شراء السلع والخدمات التي كانت متاحة في السابق للأثرياء فقط.
أدى هذا الصعود الكهنوتي، إلى جانب عوامل أخرى مثل: انعدام خليفة لبيبي الثاني الذي عاش طويلاً والجفاف الشديد، إلى انهيار البنية السياسية للدولة القديمة وانتقال مصر إلى عصر الاضمحلال الأول، ولكن، مرة أخرى، لا ينبغي النظر إلى هذا على أنه "عصر مظلم" أو عصر فوضى.
كانت هذا عصر تغيير بالنسبة لمصر، وعندما استُوعِبَ هذا التغيير في الثقافة، خرجت البلاد إلى عصر الدولة الوسطى واستمرت. يساهم انعدام السجلات الموثوقة، خاصةً بالنسبة للأسرتين السابعة والثامنة، في السمعة التي اكتسبها هذا العصر باعتباره "عصرًا مظلمًا" وكذلك نوعية الفن والعمارة التي أُنتِجَت.
فضلًا على ذلك، إن انعدام حكومة مركزية قوية - والاحتكاك بين مصر السفلى والعليا - وصم هذا العصر بالفوضى وانعدام القانون، وبالرغم من أن البلاد كانت تفتقر إلى الوحدة التي حافظت عليها منذ عهد نارمر (المعروف أيضًا باسم مينا، حوالي 3150 ق.م)، إلا أن مصر في عصر الاضمحلال الأول كانت بعيدة كل البعد عن الفوضى المحمومة التي عادةً ما يصفها الكتاب اللاحقون. انتهي هذا العصر بظهور منتوحوتب الثاني ملك طيبة (حوالي 2061-2010 ق.م) الذي وحّد البلاد تحت حكمه وبدأ العصر المعروف باسم الدولة الوسطى.
طبيعة عصر الاضمحلال الأول
حوّل الحكام موارد هائلة، أثناء عصر الدولة القديمة، إلى المجمعات الجنائزية مثل تلك الموجودة في هَضْبَة الجيزة بأهرامها الشهيرة، تطلبت هذه المجمعات المتقنة مع ازدياد عددها، المزيد من الكهنة والموظفين للعناية بها. كانت الجبانة الرئيسة في الدولة القديمة في الجيزة، ولكن كانت هناك أيضًا مجمعات جنائزية في سقارة وأبوصير وأماكن أخرى، كما قام حكام الدولة القديمة بتفويض مسئوليتهم إلى حكام الأقاليم والموظفين الإداريين الأقل شأنًا، الذين كانوا يقومون بواجباتهم وفقًا لرغبات الملك، وكما يلاحظ المؤرخ مارك فان دي ميروب:
"لم يكن هناك رجل بمفرده يتمتع بالسلطات الشاملة للمركز، حتى لو كان نظام الدولة القديمة يجعل الملك مصدر كل السلطات؛ حيث كان الملوك بحاجة إلى موظفين لإدارة العمليات المعقدة للبلاط، وكانوا دائمًا يُكَافئون هؤلاء الأشخاص، بما في ذلك قرابين الدفن والشعائر الجنائزية التي كانت تتلقى مخصصات من الأوقاف الموقوفة لهذا الغرض." (86)
قام الملك جدكارع إسيسي (2414 - 2375 ق.م) - في الأسرة الخامسة من الدولة القديمة -، بإضفاء اللامركزية على الحكومة وتفويض المزيد من المسؤولية إلى حكام الأقاليم، في الوقت نفسه، كانت موارد الخزانة الملكية تُثري الكهنة في هذه المجمعات الجنائزية وكانت عطايا الملك لحكام الأقاليم تستنزف المزيد أموال العرش وتثري المناطق الإقليمية.
وعلى هذا، فإن عصر الاضمحلال الأول تميز بشكل رئيس بزيادة في سلطة حكام الأقاليم في المناطق المنفصلة وانخفاض في سلطة الحكومة المركزية في منف. يتضح هذا التحول في السلطة في كل جانب من جوانب الأدلة الأثرية والأدبية؛ فلم تعد تُبنى الآثار العظيمة كما في الدولة القديمة على غرار الأهرام في الجيزة في عصر الاضمحلال الأول، لأنه لم يكن هناك حاكم مركزي قوي يكلف ببنائها ويدفع تكاليفها ولم يكن هناك بيروقراطية لتنظيم القُوَى العاملة الكبيرة.
إن انعدام الآثار المهيبة في هذا العصر، بالإضافة إلى رداءة نوعية الأعمال الفنية ونقص السجلات التاريخية (أسماء الملوك وتواريخهم إما مفقودة أو مشوشة في الأسرات من السابعة حتى العاشرة) شجعت علماء التاريخ المصري الأوائل على استنتاج أن انهيار الدولة القديمة ألقى بمصر في عصر من الفوضى والارتباك، ولكن، كما أشرنا، لم يكن الأمر كذلك. كتب عالم المصريات ستيفان سيدلماير:
"تشير البيانات الأثرية والنقوش المكتوبة في عصر الاضمحلال الأول إلى وجود ثقافة مزدهرة بين المستويات الفقيرة من المجتمع، بالإضافة إلى تطور قوي في أقاليم صعيد مصر، وبدلًا من الانهيار التام للمجتمع والثقافة المصرية كليًّا، تميز عصر الاضمحلال الأول بتحول مهم، وإن كان مؤقتًا، في مراكز نشاطها وحركتها. (شو، 110)"
قد يكون الادعاء بأن الثقافة انهارت صحيحًا فقط من وجهة نظر أرستقراطي كان يعيش في ذلك العصر؛ حيث استُبدِلَ النظام القديم المتمثل في ملك وحكومة مركزية بحكومات إقليمية على رأسها حكام الأقاليم، بالرغم من أن الملوك في السنوات الأولى من ذلك العصر كانوا لا يزالون يحاولون الحكم من منف، إلا أنه مع تضاؤل سلطتهم بشكل متزايد، ازدهرت الأقاليم المنفصلة وانقلب النموذج القديم. تعلق عالمة المصريات باربرا واترسون على ذلك:
كان من المفترض أن يؤدي فقدان السلطة المركزية خلال عصر الاضمحلال الأول إلى انهيار النظام الاجتماعي، لكن المجتمع المصري ظل هرميًا، حيث تولى الحكام المحليون قيادة المجتمع، وفي العصر الذي تلي نهاية عصر الدولة القديمة، امتلك أشخاص من ذوي المكانة المتدنية في المجتمع مقابر كانت حتى الآن مقصورة على أصحاب الامتيازات، وغالبًا ما وُظِّفَ حرفيين محليين من ذوي المواهب المحدودة في بنائها. اختفت معظم هذه المقابر، لكونها مصنوعة من الطوب اللبن، ولكن العديد من الشواهد الجنائزية الحجرية المرتبطة بها نجت. نقشت على هذه الشواهد سير ذاتية قصيرة لساكنيها، وهم رجال فخورون بمناطقهم وموالون بشدة للحكام المحليين الذين كانوا خلال عصر الاضمحلال الأول يوفرون لهم الرَفَاهيَة ويحافظون على النظام الاجتماعي. (52)
إن الذين يزعمون أن عصر الاضمحلال الأول كان كارثة على مصر لا يستندون في استنتاجهم إلا على وجهة نظر الطبقة العليا والمفهوم التقليدي للحكومة المصرية منذ العصر العتيق وحتى عصر الدولة القديمة، فالتاريخ المصري حتى هذا الوقت كان يركز على الملك وإنجازاته، ولكن مع تراجع السلطة المركزية احتل عامة الشعب المصري مركز الصدارة وتركوا وراءهم قصصهم الخاصة المحدودة كما هي.
كما يلاحظ سيدلماير، خلال هذا العصر "أصبح الريف المصري أغنى اقتصاديًا وأكثر تعقيدًا من الناحية الثقافية" (شو، 112)، ولم يعد التركيز على الملك، بل على حكام الأقاليم وحياة الناس في منطقته. كتب سيدلماير:
"كان الملك، في النظام السياسي المغلق للدولة القديمة، هو المصدر الوحيد للسلطة الشرعية، وكانت جميع تصرفات المسؤولين تعتمد على أمره، وكان هو الذي يحكم ويكافئ على مزاياهم، ولكن عندما تلاشت سلطة الملكية، ظهر وضع أكثر انفتاحًا، والآن، أصبح بإمكان الحكام المحليين التصرف وفقًا لأهدافهم الخاصة." (شو، 121)
إن الصورة الثقافية التي تظهر من فحص أدلة هذا العصر لا تدعم وجود "عصر مظلم" فوضوي بل ببساطة نموذج اجتماعي وسياسي مختلف عما كان عليه الحال في السابق، وترجع الصورة السيئة لهذا العصر، كما أشرنا، إلى نقص السجلات التاريخية وميل الباحثين الأوائل إلى قَبُول الأعمال الأدبية اللاحقة بصفتها وثائق تاريخية.
نقص السجلات وبردية إيبوير
يتضح أن المعضلة الأكثر خطورة في فهم هذه الفترة هي انعدام السجلات التاريخية. حفظت الدولة القديمة تاريخ مصر علي الحجر عن طريق بناء الأهرام والمجمعات الجنائزية التي كانت تروي قصصها، لكن في عصر الاضمحلال الأول، ومع انعدام الحكومة المركزية لإدارة شؤونها، اهتمت كل منطقة على حدة بنفسها، مع إيلاء عناية أكبر أو أقل للحفاظ على تاريخ هذا العصر. نظرت العصور اللاحقة إلى هذا العصر على أنه "عصر مظلم" لأنه بدي متناقض للغاية مع القيم المصرية.
كان المفهوم الأكثر أهمية بالنسبة للمصريين القدماء هو الانسجام (ماعت)، وكان عصر الاضمحلال الأول بعيدًا كل البعد عن الانسجام. كان يُنظر إلى الملك على أنه ممثل للآلهة، وابنًا له، يحافظ على الانسجام في حياة رعاياه بتفويض إلهي. كتب سيدلماير كيف شعر المصريون بأن "الناس سيكونون عاجزين دون حكامهم. ولو تُرِكوا وحدهم لما استطاعوا ببساطة مواجهة مخاطر الحياة" (شو، 120). استمر هذا الرأي السائد لفترة طويلة بعد عصر الاضمحلال الأول، كما يلاحظ مارك فان دي ميروب:
يظهر عصر الاضمحلال الأول في العديد من أعمال الدولة الوسطى، ودائمًا ما يظهر بعبارات سلبية باعتباره عصر اضطراب، وبينما أخذ المؤرخون في الماضي هذه الأوصاف على أنها انعكاسات دقيقة، فإننا نرى اليوم هذه الأعمال التي كتبت بعد 50 سنة في الأقل من إعادة توحيد مصر على أنها تعبر عن قلق شعب الدولة الوسطى، فهي ليست مصدرًا لعصر الاضمحلال الأول الذي لا يزل صعب الدراسة.(79-80)
تصوّر أعمال الدولة الوسطى التي يشير إليها فان دي ميروب عمومًا وتقريبًا زمنًا مظلمًا بلا قانون حين لم يكن هناك ملك في الأرض وسادت الفوضى. أشهر هذه الأعمال بردية إيبوير (المعروفة باسم رثاء أو عتاب إيبوير) التي يرثي فيها كاتب من الدولة الوسطى المنزلق الذي انحدرت فيه البلاد.
لطالما عدّت بردية إيبوير أنها تشير إلى عصر الاضمحلال الأول، وأثر هذا التفسير بشكل كبير على الباحثون والمؤرخين في الماضي الذين وصفوا هذا العصر بأنه "عصر مظلم"، ومع ذلك، فإن المتكلم في بردية إيبوير يندب ببساطة تغييرًا في البنية الاجتماعية التي لا يوافق عليها:
"الفقراء أصبحوا أغنياء. من لم يستطع شراء حِذَاءٌ يملك الأن ثروة. السارق يملك ثروة، والنبيل أصبح لص... الذهب واللازورد والفضة والفيروز والعقيق والجَمَشْت معلقة في أعناق الجواري [بينما] تجوب النبيلات الأرض."
تذكر بردية إيبوير أيضًا كيف أنه "انعدم وجود رجال الأمس" حيث "هلك ما كان بالأمس" متأسفًا على الماضي وعلى الطريقة التي كانت عليها الحياة في الماضي. إن كثرة الإشارات إلى كيف أصبح أصحاب الطبقة الاجتماعية الدنيا يتصرفون كالنبلاء تعكس حنينًا إلى زمنٍ كانت فيه الفوارق الطبقية تُراعى بدقة، وهو زمن يبدو أنه كان أقرب إلى هوى الكاتب وميوله، وتعترض عبارة "كل مَيْت كالرجل حسن المولد" على أن الأشخاص ذوي المكانة الدنيا أصبحوا الآن قادرين على تحمل ثمن أنواع المقابر التي لم يكن بمقدور أحد سوى الأثرياء والنبلاء تحملها في السابق.
يتأسف الكاتب فضلًا عن ذلك، على رداءة السلع في عصره شاكيًا: "انعدمت المواد اللازمة لكل نوع من أنواع الحرف"، وهو ما فُسِّرَ على أنه يشير إلى الإنتاج الضخم للسلع في مصر خلال هذا العصر. إن رداءة جودة الفنون، عند مقارنتها بالدولة القديمة، هي إحدى الأسباب التي جعلت العلماء ينظرون في البداية إلى عصر الاضمحلال الأول على أنه عصر انهيار وانحطاط ثقافي، ويرجع السبب في أن السلع لم تكن بنفس الجودة العالية إلى أنها كانت تُنتج الآن بكميات كبيرة للاستهلاك الجماهيري.
كل هذا يجعل من المغري جدًا ربط بردية إيبوير بوصف عصر الاضمحلال الأول - وهو بالضبط ما تم القيام به - ولكن لا يوجد سبب حقيقي لذلك، فبردية إيبوير بردية أدبية وليست تاريخية، وتتناول موضوعًا كان شائعًا جدًا في الكتابة المصرية، كما تشير الباحثة ميريام ليشتهايم، وهو "النظام مقابل الفوضى" (150)، ووفقًا لـليشثيم، فإن بردية إيبوير لا عَلاقة لها بعصر الاضمحلال الأول، وهناك الكثير من العلماء الذين يتفقون معها الآن.
سار العديد من العلماء والمؤرخين الجيدين رغمًا عن ذلك، على خطى الكتاب السابقين في قبول شكاوى إيبوير بصفتها تصوير دقيق للحياة خلال عصر الاضمحلال الأول؛ بسبب انعدام سجلات تاريخية من ذلك العصر، والتشابه في البنية الاجتماعية المصورة (الناس من ذوي المكانة الدنيا القادرين الآن على تحمل ثمن الكماليات)، حتى إن مؤرخًا بمكانة مارجريت بونسون كتبت أن عصر الاضمحلال الأول كان "عصر اضطراب وفوضى بدأ بانهيار الدولة القديمة" (78). لا يمكن إنكار وجود اضطرابات خلال ذلك العصر، ولكن يبدو أن "الفوضى" التي يشار إليها في كثير من الأحيان مبالغ فيها.
رُبِطت بردية إيبوير علاوة على ما سبق، بعصور وأحداث أخرى أيضًا، بما في ذلك الضربات العشر الواردة في سفر الخروج التوراتي، والتي أرسلها إله العبرانيين على مصر، وكما أن إيبوير لا عَلاقة له بعصر الاضمحلال الأول، كذلك لا يوجد أي ضوء تاريخي يُسلط على الرواية التوراتية، فالروايات التي تتحسر على زمن مضى، وتتمنى عودة "الأيام الخوالي"، وتشكو من الوضع الحالي لحياة المرء موجودة في كل ثقافة من العصور القديمة وحتى الوقت الحاضر، وبردية إيبوير هي واحدة من بين العديد من هذه الروايات.
المملكتان
إن الادعاء بالاضطراب والفوضى المزعومة رغمًا عن ذلك، له بعض الدعم التاريخي، ويأتي من انعدام حكومة مركزية واحدة قوية وانقسام الحكم بين مملكتين: إهناسيا في مصر السفلى وطيبة في مصر العليا، واستمرت الأسرتان السابعة والثامنة في الحكم من منف، ولكن في الحقيقة لم يكن لها سيطرة سوى على السكان المحليين. كانت الأقاليم المختلفة في البلاد تتمتع بالحكم الذاتي بشكل أساسي.
إن عدم معرفة ملوك الأسرتين السابعة والثامنة دليل على مدى عدم فعاليتهم، فليس لأسمائهم وتواريخهم أي صدى دائم في التاريخ المصري، في مرحلة ما، تخلي الحكام الذين اعتبروا أنفسهم خلفاء ملوك الدولة القديمة، عن العاصمة القديمة منف، ثم ادعى هؤلاء الحكام من الأسرتين التاسعة والعاشرة (الذين اختلطت أسماؤهم وتواريخهم لدرجة أنه لا يكاد يكون لها معنى) أن مدينة إهناسيا هي عاصمتهم وأعلنوا أنفسهم ملوك مصر الحقيقيين. كتب سيدلماير:
"لا نعرف سوى القليل جدًا عن الثمانية عشر أو التسعة عشر ملكًا الذين شكلوا أسرة إهناسيا التي كتبها مانيتون، والذين احتلوا عرش مصر لفترة ربما امتدت 185 عامًا، حتى إن أسماءهم لا تزل مجهولة إلى حد بعيد، باستثناء واحد أو اثنين فقط، من المستحيل تحديد أسماء الملوك القلائل المذكورون في أماكنهم الصحيحة في تسلسل الأسرة، فضلًا على ذلك، لا يُعرف أي من فترات حكمهم." (شو، 128)
ومهما ما فعله الحكام في منف، ومهما كانت دوافعهم في نقل العاصمة إلى إهناسيا، فمن الواضح أن ذلك لم يكن فعالًا. كانت مدينة طيبة في مصر العليا، التي كانت في وقت الانتقال من منف إلى إهناسيا مجرد مدينة مصرية أخرى من بين العديد من المدن، استجابت لفراغ السلطة بالانتقال لملئه.
صعود طيبة وإعادة الوحدة
صعد إلى السلطة في طيبة حوالي 2125 ق.م. أحد حكام الأقاليم يُدعى "إنتيف" الذي كان يحمل الألقاب المعتادة "السيد العظيم" في الدولة و"المشرف على الكهنة"، وتحدى سلطة حكام إهناسيا. أسس "إنتيف الأول" الأسرة الحادية عشرة في مصر وبدأ الزخم الذي سيؤدي إلى إعادة توحيد البلاد. أُشير إليه فيمَا بعد في عصر الدولة الوسطى باسم "إنتيف العظيم" ورُفع له تمثال تخليدًا لذكراه في معبد الكرنك. لا تزل مقبرته الضخمة "صف الدوابه" موجودة حتى اليوم في مقبرة الطريف بالقرب من أطلال طيبة.
أعلن منتوحوتب الأول (حوالي 2115 ق.م) ثاني ملوك الأسرة الحادية عشرة، طيبة عاصمة مصر الحقيقية وبدأ عملية إعادة التوحيد عن طريق غزو الأقاليم المجاورة، واستمر هذا الأمر خلال عهود الملوك الذين جاءوا من بعده وخاصةً على يد "وح عنخ إنتف الثاني" (حوالي 2112-2063 ق.م)، الذي اتخذ لقب "ملك مصر العليا والسفلى" وغزا مدينة أبيدوس كأحد أعماله الأولى. كانت أبيدوس واحدة من أقدم التجمعات السكانية في مصر حيث دُفن الملوك الأوائل، وباستيلاء "وح عنخ إنتف الثاني" على المدينة أدعي أنه الخليفة الشرعي لهؤلاء الحكام الأوائل، ومع تأمين أبيدوس، شنَّ بعد ذلك حربًا دورية مع حكام إهناسيا طوال مدة حكمه.
لم يكن "وح عنخ إنتف الثاني" مجرد أمير حرب أو حاكم إقليم استولى على السلطة، حيث عُدّ نفسه ملكًا حقيقيًا لمصر، وبذل قُصَارَى جهده للتصرف كملك حقيقي بما يساير قيود ومسؤوليات الماضي، فأقام النصب التذكارية وبنى المعابد للآلهة، ورفع أول نصب تذكاري على شرف الإله آمون في الكرنك، وعلاوة على ذلك، حرص على رعاية أسرته وعائلته الممتدة وخدمه ورعاياه رعاية جيدة، وحافظ على مبدأ ماعت في سياساته.
لم يثق "وح عنخ إنتف الثاني" إلا بأقرب أفراد أسرته وأصدقائه في السلطة ولم يفوضهما إلا لمامًا، مسايرًا في ذلك نموذج أفضل حكام الدولة القديمة. لم يكن هناك حكام أقوياء في طيبة أو حولها ولا في أي من الأقاليم التي كانت تحت حكم طيبة، وكما يلاحظ سيدلماير، أنشأ وح عنخ حكومة اعتمدت على "روابط قوية من الولاء الشخصي والسيطرة المحكمة" (شو، 126). كانت هذه هي بالضبط سياسة ملوك الدولة القديمة السابقين مثل: سنفرو وخوفو وخفرع.
دُفن "وح عنخ إنتف الثاني"، في الطريف خارج طيبة، وأُقيمت لوحة سِّيرية عند المدخل. كتب سيدلماير:
"يلخص هذا النصب التذكاري الذي يحمل صورة للملك برفقة كلابه المفضلة، إنجازات عهده في الماضي؛ وتؤكد نقوش أتباعه بشكل وافٍ العبارات الواردة في النص." (شو، 125)
خلف "نخت-نب-تب-نفر\إنتيف الثالث" (حوالي عام 2063 ق.م)، "وح عنخ إنتف الثاني"، الذي استولى على أسيوط من ملوك إهناسيا وزاد من نفوذ طيبة، واستفاد من نجاحه الأمير العظيم منتوحتب الثاني الذي هزم إهناسيا ووحد مصر تحت حكمه. عُدّ منتوحوتب الثاني "مينا الثاني" في النقوش اللاحقة وأُشيد به باعتباره الملك العظيم الذي أعاد النظام إلى الأرض مرة أخرى.
انتهي عصر الاضمحلال الأول، وبدأ العصر المعروف باسم الدولة الوسطى، بانتصار منتوحتب الثاني. ستؤثر تطورات عصر الاضمحلال الأول بشكل كبير على العصر التالي في تاريخ مصر، وسيعمل حكام الدولة الوسطى وحكام الأقاليم معًا في معظم ذلك العصر لخلق بعض الأعمال الفنية الأكثر إثارة للإعجاب وأحد أكثر المجتمعات استقرارًا وثراءً في التاريخ.