عصر الاضمحلال الثاني

تعريف

Joshua J. Mark
كتبه (a)، ترجمه (t)
نُشر على
اطبع المقال PDF
Statue of King Sobekemsaf I or II (by Osama Shukir Muhammed Amin, Copyright)
تمثال سوبك ام ساف الأول أو الثاني
Osama Shukir Muhammed Amin (Copyright)

عصر الاضمحلال الثاني (حوالي 1782 - 1570 ق.م) هو العصر الذي تلي الدولة الوسطى في مصر (2040 - 1782 ق.م) ويسبق الدولة الحديثة (1570 - 1069 ق.م)، صاغ هذا الاسم - وكما هو الحال مع جميع التسميات التاريخية لعصور التاريخ المصري - علماء المصريات في القرن التاسع عشر لتحديد الفترات الزمنية من تاريخ مصر؛ ولم يستخدم المصريون القدماء هذا الاسم.

اتسم هذا العصر بانقسام مصر، حيث كان الشعب المعروف باسم الهكسوس يسيطر على السلطة في الشمال، والحكم المصري في طيبة في وَسْط البلاد، والنوبيين في الجَنُوب، وكما هو الحال مع عصر الاضمحلال الأول، يوصف هذا العصر تقليديًا بأنه فوضوي ويفتقر إلى القانون والتقدم الثقافي، ولكن شُكِّكَ في هذا الادعاء، كما هو الحال في العصر السابق. كان عصر الاضمحلال الثاني عصر انقسام، وسجلات ذلك العصر مشوشة أو مفقودة، لكنه لم يكن عصر مظلم كما ادعى الكتاب المصريون اللاحقون.

يبدأ هذا العصر بنقل حكام الأسرة الثالثة عشرة العاصمة من أثيت تاوي (في مصر السفلى بالقرب من اللشت، جَنُوب منف) إلى طيبة، العاصمة القديمة في أواخر الأسرة الحادية عشرة في مصر العليا، مؤديًا إلى تخفيف سيطرتهم على الشمال. أسس الملك أمنمحات الأول (1991-1962 ق.م) في بداية الأسرة الثانية عشرة، مدينة "حوت وعرت" الصغيرة (المعروفة بالاسم اليوناني /Αὔαρις أواريس) في أقصى الشمال، التي نمت لتصبح مركزًا تجاريًا يُسّهل الوصول إلى البحر وترتبط بطرق برية بسيناء ومنطقة فلسطين.

جلبت التجارة والهجرة الناجحة خلال عصر الأسرة الثالثة عشرة، سَيْل من الشعوب السامية إلى أواريس، التي اكتسبت في النهاية ما يكفي من الثروة والسلطة لممارسة نفوذ سياسي في البلاد. كان هؤلاء القوم معروفين لدى المصريين (ولدى أنفسهم) باسم "هيقاو خاسوت" (أي حكام الأراضي الأجنبية)، لكن الكتّاب اليونانيين أطلقوا عليهم اسم "الهكسوس"، وهو الاسم الذي اشتهروا به في التاريخ.

يصور الكتّاب المصريون المتأخرون الهكسوس على أنهم غزاة وحشيون دمروا واضطهدوا مصر ونهبوا المعابد، حتى حُرِّرَت ووُحِّدَت في عهد أحمس أمير طيبة (حوالي 1570-1544 ق.م)، ومع ذلك، تشير الأدلة الأثرية والسجلات من ذلك العصر بقوة إلى قصة مختلفة تمامًا؛ حيث كان الهكسوس بعيدين كل البعد عن صورة الغزاة القساة في التواريخ اللاحقة، فقد أعجبوا بالثقافة المصرية بشكل كبير وتبنوها على أنها ثقافتهم الخاصة، وعاشوا بشكل ودي، إن لم يكن سلمي تمامًا، مع الحكومة في طيبة إلى أن دفعت إهانة متصورة ملوك طيبة إلى إعلان الحرب عليهم وطردهم. كان انتصار أحمس الأول إيذانًا بنهاية عصر الاضمحلال الثاني وبداية الدولة الحديثة.

مجيء الهكسوس لمصر

يتّسم هذا العصر بشكل رئيس بسيطرة الهكسوس على شمال مصر، وببروز نفوذ النوبيين بدرجة أقل ولكنها ذات أهمية، في الجَنُوب، ويُعزى عدم بروز دور النوبيين بشكل أكبر في تحديد معالم هذا العصر إلى أنّ السجلات المصرية تُظهر استمرارية في العلاقات بالأراضي الجنوبية، في حين كان ظهور الهكسوس حدثًا غير مسبوق، حيث نُسب إليهم إدخال مفاهيم وأنماط حياة جديدة إلى مصر.

لا تزال هوية الهكسوس مجهولة، فمن المحتمل أنهم وصلوا إلى أواريس عبر طرق التجارة البرية من سوريا-فلسطين، وحققوا نجاحًا هناك، وأسسوا مركزًا للسلطة بمجرد حصولهم على الثروة والقدرة.

لا تزل هُوِيَّة الهكسوس غير معروفة. طُرحت العديد من النظريات، بما في ذلك أنهم كانوا لاجئين فارين من الغزو الآري في آسيا. فقدت نظرية الغزو الآري نفسها مصداقيتها، وكذلك هذا الادعاء. أشار إليهم المصريون باسم "الآسيويين"، ولكن كان هذا المصطلح يُستخدم للإشارة إلى أي شخص خارج الحدود الشرقية للبلاد بِدءً من بلاد الشام إلى بلاد ما بين النهرين.

يُترجم الاسم الأكثر شيوعًا للهكسوس إلى "حكام الأراضي الأجنبية"، وليس "شعب الأراضي الأجنبية"، ولذا قدم بعض العلماء إدعاءً بأنهم غزاة نزلوا في أواريس وأسسوا مركز قوة قوي، ثم احتلوا الأرض جنوبًا حتى أبيدوس.

يستند هذا الادعاء بالكامل تقريبًا إلى كتابات المؤرخ المصري مانيتون الذي يعود للقرن الثالث قبل الميلاد. فُقد عمل مانيتون، لكن المؤرخين اللاحقين اقتبسوا منه كثيرًا، بما في ذلك الكاتب اليهودي الروماني يوسيفوس. تصف رواية مانيتون عن وصول الهكسوس بأنهم غزاة مدمرون دمروا البلاد:

"استولوا بالقوة الغاشمة وبسهولة على [البلاد] دون أن يضربوا ضربة واحدة، بعد أن تغلبوا على حكام الأرض، ثم أحرقوا مدننا بلا رحمة، وسووا معابد الآلهة بالأرض... وأخيرًا، توجوا ملكًا منهم اسمه ساليتيس، كان مقره في منف، وكان يفرض الجزية على مصر العليا والسفلى ويترك الحاميات دائمًا في أكثر المواقع استراتيجية." (شو، 183)

اعتبر العلماء والعامَّة على حد سواء، ولعدة قرون تقرير مانيتون، كما ورد عند يوسيفوس، حقيقة تاريخية، إلى أن أثبتت الأدلة الأثرية عدم دقتها؛ حيث كشفت الحفائر في أواريس عن مدينة ساحلية كانت مزدهرة ذات يوم، وتصميمها غير مصري ويوازي إلى حد بعيد العمارة والتصميم من منطقة سوريا-فلسطين. لم يُعْثَرُ على أي معقل للهكسوس في منف ولم يُعْثَرُ على أي سجلات عن دمار واسع النطاق في البلاد في عهد الهكسوس.

النظرية الأكثر قبولًا على نطاق واسع بين الباحثين وعلماء المصريات اليوم هي أن الهكسوس وصلوا إلى أواريس عبر طرق التجارة البرية من سوريا وفلسطين، ونجحوا هناك في غضون الأسرة الثانية عشرة وأوائل الثالثة عشرة، وأسسوا مقرًا للسلطة بمجرد أن امتلكوا الثروة والقدرة على ذلك. لا يوجد أي دليل على الإطلاق على أن الهكسوس قمعوا الديانة والثقافة المصرية، بل في الواقع أعجبوا بكليهما وتبنوهما.

انهيار الدولة الوسطى وصعود الهكسوس

تُعد الأسرة الثانية عشرة من الدولة الوسطي، عصرًا ذهبيًا في تاريخ البلاد؛ حيث ازدهرت الآداب والفنون، وازدهرت التجارة والفتوحات العسكرية التي جعلت مصر غنية، ووفرت الحدود المحصنة الأمن، وحافظ ملوك ذلك العصر على الاستقرار وشجعوا على الإبداع والتنوع. تأسست مدينة أواريس في بداية هذا العصر، وتأثر الوافدون إليها للتجارة بالمجتمع المصري في ذلك العصر، ومع ذلك، جاء الهكسوس في الأصل إلى مصر، ومهما كانت أعدادهم، فقد وجدوها جذابة للغاية.

كان ملوك الأسرة الثالثة عشرة في حالة اضمحلال، في الوقت الذي كانت قوة الهكسوس تتنامى في أواريس. أصبح التسلسل الزمني للأسرة الثالثة عشرة مختلطًا ومشوشًا، وقلّ عدد الآثار التي بُنيت والنقوش التي صُنعت، بعد أول ملوكها، سوبك حتب الأول (حوالي 1802-1800 ق.م). السبب الدقيق لتَفَسُّخ الأسرة الثالثة عشرة غير واضح، قد يكون السبب بسيطًا مثل شخصية الملوك، الذين لم يكونوا على نفس كفاءة ملوك الأسرة الثانية عشرة، أو قد يكون سببًا آخر، وبالرغم من أن العديد من الكتاب قدموا نظريات مختلفة، إلا أن انعدام سجلات من ذلك الوقت تشير إلى سبب محدد يجعل أي ادعاء بذلك أمرًا تخمينيًا.

Statue of Sobekhotep
تمثال سوبك حتب
Osama Shukir Muhammed Amin (Copyright)

تعثرت العاصمة المصرية "أثيت تاوي" لسبب من الأسباب، فتركت الحكومة تلك المدينة وعادت إلى طيبة. تركت هذه الخطوة عمليًا الشمال، مصر السفلى، مفتوحًا أمام أي قُوَى سياسية لديها القوة للتطور هناك. كانت العاصمة في طيبة في نهاية الأسرة الحادية عشرة، يحكمها ملك قوي يحظى بالاحترام، ولم يكن هذا هو الوضع حوالي (1782-1760 ق.م)، عندما كانت الأسرة الثالثة عشرة تفقد سلطتها باطراد. عندما يزعم مانيتون أن الهكسوس استولوا على البلاد "من دون مقاومة"، فيكون هذا هو الجزء الوحيد من تقريره الذي أصاب فيه. لم يكن على الهكسوس غزو الأرض أو حرق أي مدن للاستيلاء على السلطة، حيث سُلِّم شمال مصر إليهم بشكل أو بآخر ليفعلوا به ما يشاؤون.

مملكة النوبة في الجَنُوب

قاد الملك سنوسرت الثالث (حوالي 1878-1860 ق.م)، - وهو أقوى الحكام المصريين في الدولة الوسطى - العديد من الحملات الاستكشافية جنوبًا إلى النوبة، حيث أمّن الأرض وحصّن الحدود بين البلدين، بالجنود المصريين، وبذلك أغلق الحدود ونظم الهجرة، ويبدو أن العَلاقة بين النوبة ومصر في هذا الوقت كانت مفيدة للطرفين وفقًا للوثائق التجارية الموجودة في هذه الحصون. أعجب النوبيون بالثقافة المصرية وتبنوا العديد من آلهتهم وجوانب من ثقافتهم.

Head of Senusret III
رأس سنوسرت الثالث
Osama Shukir Muhammed Amin (Copyright)

توقف الملوك المصريون عن إمداد التحصينات على الحدود، ولم تتمركز قوات جديدة هناك، خلال الجزء الأخير من الأسرة الثالثة عشرة، ولم يُستدعي الجنود المنتشرين فعلًا في الحصون إلى مصر، وأصبحت الحاميات السابقة هي موطنهم. حافظ هؤلاء الجنود على الاتصال مع عاصمة مصر في طيبة ومملكة كوش وعملوا كوسطاء تجاريين. يلاحظ المؤرخ مارك فان دي ميروب:

"حافظ الكوشيون على عقود تجارية مع مصر، حيث عُثر في بعض الحصون على آلاف الأختام - كتل من الطين المنقوش عليها جعران - تسجل أسماء ملوك الأسرة الثالثة عشرة، حتى الملوك اللاحقين بما في ذلك بعض ملوك الهكسوس. كانت هذه الأختام في الأصل مرفقة بأكياس وجرار تحمل بضائع مستوردة من مصر، ويبدو أن التجارة كانت مكثفة على الأقل في أوائل عصر الاضمحلال الثاني." (136)

تطورت مملكة كوش لتصبح قوة مركزية وعاصمتها كرمة، مع إهمال الأسرة الثالثة عشرة للأمور في الجَنُوب، كما كانوا يفعلون في الشمال. أصل اسم هذه المملكة غير معروف، ولكن من الواضح أن الشعب كان يشير إلى نفسه باسم "الكوشيين" في حين كانت السجلات المصرية تطلق عليهم اسم "النوبيين" من الكلمة المصرية نوب (الذهب) لأنهم ربطوا المنطقة بالذهب. تُظهر المعابد والمدن المبكرة للكوشيين تأثيرًا مصريًا قويًا، الذي تضاءل تدريجيًا ليحل محله مزيج من الطرازين النوبي (الكوشي) والمصري.

يلاحظ فان دي ميروب أن "قادة هذا المجتمع سعوا إلى تصوير أنفسهم كملوك وملكات ونبلاء حقيقيين وتطلعوا إلى مصر للإلهام" (139). تبني الكوشيين اللباس والسلوكيات الآلهة المصرية، وفي مرحلة ما، دُمرت بعض التحصينات المصرية القديمة على طول الحدود، ربما في هجوم، على الرغم من أن هذا غير مؤكد. ما هو واضح هو أنه مع تجاهل الحكومة المصرية في طيبة لقوة كوش في الجَنُوب، نمت تلك القوة وأصبحت الحدود أكثر مرونة. لم يعد الجنود الذين تُركوا خلفهم يعتبرون أن من مسؤوليتهم الحراسة ضد الاغارات، وبحلول ذلك الوقت، كانوا أكثر اعتيادًا على دور التجار من دور العسكريين.

العلاقات بين المصريين والهكسوس والنوبيين

كانت مصر في هذا الوقت (حوالي 1700-1600 قبل الميلاد) منقسمة إلى أمة من ثلاث قُوَى مركزية، ولكن على عكس ما يراه علماء القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، لم يكن ذلك العصر عصر فوضى أو اضطرابات، وكما لُوحظ، استمرت التجارة بين مملكة كوش وطيبة وبين كوش والهكسوس وبين طيبة والهكسوس. كان الهكسوس يبحرون عبر طيبة في طريقهم إلى كوش، وكانت طيبة تعبر النيل للتجارة مع الهكسوس، ويبدو أنه كان هناك نوع من الهدنة بين طيبة أواريس، مما يشير إلى أن الاثنين لم يكونا على عَلاقة ودية تمامًا، لكنهما لم يكونا على عداء مع بعضهما البعض.

عَدّ الهكسوس أنفسهم مواطنين شرعيين في مصر، وجديرين بممارسة السلطة وتوجيه مصير الشعب، أما الملوك المسجلون في الجزء الأخير من الأسرتين الثالثة عشرة والسادسة عشرة فهم غير مصريين أو في الأقل لا يحملون أسماء مصرية ويعتبرون حكامًا من الهكسوس، فالتسلسل الزمني الخاص بهم مشوش، وبعض الأسماء معروفة فقط عن طريق الأشياء الاحتفالية والبعض الآخر فقط من أجزاء من قوائم الملوك، لذلك من الصعب تحديد تاريخهم.

يتضح أنه مهما كان شعور "المصريون الأصلاء" في طيبة و"الملوك الأجانب" في أواريس تجاه بعضهما البعض، فإن المدينتين كانتا على عَلاقة سلمية وكان هناك تفاعل طويل الأمد عن طريق التجارة، فضلًا عن ذلك، لم تقطع أي من المدينتين عَلاقة الأخرى مع الكوشيين في الجَنُوب، ولا يوجد أي دليل على أنهما تدخلتا في تجارة أو أعمال بعضهما البعض في مناطق أخرى. تغير كل هذا قبل مدّة وجيزة من وصول الأسرة السابعة عشرة إلى السلطة في طيبة.

طيبة ضد أواريس

قاد الملك المصري سقنن رع تاعا (المعروف أيضاً باسم تاو، حوالي 1580 ق.م) من الأسرة السابعة عشرة حملة ضد الهكسوس حوالي 1560 ق.م، وفقاً لما ذكره الكتاب اللاحقون، وتُظهر مومياءه التي اكتُشفت في المقبرة القريبة من وادي الملوك بجوار طيبة أنه قُتل على الأرجح في المعركة. "مات بعنف عن عمر يتراوح بين 30 و40 سنة. حيث تلقى ضربات على رأسه من عدة فؤوس، وكان وجهه مجروحًا ومهشمًا" (فان دي ميروب، 142)، ويبدو أن هذا الصراع نشأ ردًا على إهانة، أو إهانة متصورة من ملك الهكسوس أبيبي إلي الملك تاو.

تفاصيل هذه الحادثة بِرُمَّتها غير واضحة، ولكن يبدو أن أبيبي ملك أواريس أرسل رسولًا إلى تاو ملك طيبة ينقل إليه طلبًا اعتبره تحديًا: "أبعدوا بركة أفراس النهر التي تقع في شرق المدينة، لأنها تحرمني من النوم ليلًا ونهارًا"، وبدلًا من الامتثال للطلب، سار تاو بجيش نحو أواريس وهاجمها، ولا يُعرف ما إذا كانت قواته نجحت في الهجوم، ولكن من المحتمل أنه قُتل في المعركة، وحقيقة أن الهكسوس استمروا في أواريس بعد ذلك تشير إلى أن طيبة هُزمت، إلا أن الأعمال العدائية بين المدينتين وشعبهما بدأت توًا.

الأمير كامس

حكم كامس ابن تاو طيبة بعد وفاته (حوالي 1575 ق.م)، وواصل الحرب ضد الهكسوس، مستشهدًا بحقيقة أنه كان مصريًا أصيلًا ولا ينبغي أن يشارك بلاده مع القُوَى الأجنبية. يقول نقش لكامس:

"إلى أي حد أعرف قوتي؟ فها هو زعيم في أواريس، وآخر في كوش، وأنا أجلس هنا، تابع لآسيوي ونوبي! لكل رجل نصيبه من مصر، وهكذا قُسِّمت الأرض وأنا بينهم! انظر، لقد استولى حتى على هيرموبوليس (الأشمونين)! لا راحة لأحد حين يُستنزف من ضرائب الآسيويين. سأتصدى له، لأمزق أحشاءه، حيث أرغب في إنقاذ مصر، التي دمّرها الآسيويون!" (فان دي ميروب، 143)

Stela of Kamose
لوحة كامس
Rüdiger Stehn (CC BY-SA)

عارض مستشارو كامس القيام بعمل عسكري واسع النطاق ضد الهكسوس، ولكن كامس تجاهلهم، وزحف على أواريس، ونقل جيشه في سفن عبر النيل ثم أطلقهم على المدينة ودمرها. كتب كامس:

"لمحت نسائه على سطح منزله ينظرن من نوافذهن نحو ضفة النهر، حيث تجمدت أجسادهن من رؤيتي. كنّ يحدّقن بأنوفهن على جدران النوافذ، كفئران صغيرة في جحورها، وهن يصرخن: "إنه هجوم!" (واترسون، 59)"

زعم كامس أيضًا أن هجومه كان سريعًا وقاسيًا لدرجة أن النساء الناجيات أصبحن عقيمات، ادعى أيضًا أنه سوّى أواريس بالأرض ثم أبحر عائدًا إلى طيبة بغنائمه. دُمر الهكسوس في أواريس، لكنهم ظلوا يسيطرون على شمال مصر فوق منف. حكم كامس لمدة ثلاث سنوات أخرى تقريبًا، واصل خلالها حربه ضد الملوك الأجانب ويبدو أنه استولى على منف منهم، وعند وفاته، خلفه أخوه أحمس، مؤسس الأسرة الثامنة عشرة والدولة الحديثة.

أحمس الأول وتوحيد مصر

يرجع الفضل إلى أحمس الأول في طرد الهكسوس من مصر وإعادة توحيد البلاد تحت الحكم المركزي لطيبة. كتبت المؤرخة مارغريت بونسون، مستندة إلى المسلات الشاهدة في الكرنك، كيف أن أحمس الأول "طرد الأسيويين من مصر وطاردهم إلى شاروهين ثم إلى سوريا" (80). ولا يبدو أن هذا العمل أُنجِزَ بالسهولة التي توحي بها بعض النقوش والعديد من المؤرخين.

يذكر النقش المأخوذ من مقبرة أحمس الأول معركة ثانية وثالثة في أواريس، مما يشير إلى أن تفاخر كامس بتدمير المدينة بالكامل كان إما مبالغة أو أن الهكسوس أعادوا بناء أواريس. تشير الدلائل الأثرية إلى الاحتمال الأول وأن أحمس الأول هو المسؤول عن تدمير أواريس.

يذكر أحمس آخر (بن إبانا) الذي كان جنديًا في عهد أحمس الأول في نقش على إحدى المقابر، قتالًا بالأيدي في أواريس في معركة أولى ثم معركتين أخريين بنفس الشراسة قبل أن يفر الهكسوس الناجون إلى شاروهين في منطقة فلسطين، ووفقًا للنقش، كان لا بد من وضع شاروهين تحت الحصار لمدة ست سنوات قبل أن تسقط، ثم هرب الناجون إلى سوريَا وعلى إثرهم أحمس الأول في مطاردتهم، لم يُسجل ما حدث لهم بمجرد وصولهم إلى سوريَا، وعلى الأرجح أن أحمس الأول بعد أن هزم عدوه وطردهم من الميدان، عاد أدراجه إلى مصر.

تُظهر النقوش من ذلك العصر وما تلاه، أن كل النفوذ السياسي للهكسوس انتهى في مصر في عهد أحمس الأول، الذي حوَّل اهتمامه إلى الجَنُوب وقام بحملة إلى النوبة جَنُوب الشلال الثاني للنيل، مُسْتَرِدًا تلك الأراضي التي فقدها، كما رمم مدن مصر وأعاد بناء وتجديد المعابد، ووطد سلطته في طيبة، متبعًا في ذلك مثال ملوك الماضي العظماء الذين وضعوا معظم السلطة في أقرب أفراد أسرهم وأكثرهم ثقة.

إرث عصر الاضمحلال الثاني

يتميز عصر الاضمحلال الثاني بأنها عصر فتنة، كما هو الحال مع عصور الاضمحلال الأخرى في مصر. يقدم الباحثان برير وهويت وجهة النظر الشائعة عن ذلك العصر عندما يكتبان كيف أنه بعد الدولة الوسطى "دخلت مصر عصرها المظلم الثاني" (25). صحيح أنه كانت هناك بعض الخسائر الثقافية مثل عدم القدرة على كتابة الخط الهيروغليفية؛ لم يعد الكتبة خلال عصر الاضمحلال الثاني، يتعلمون الكتابة الهيروغليفية وتطورت الكتابة الهيراطيقية (الكتابة المتصلة)، ويبدو أن جودة الفنون تأثرت أيضًا، ومع ذلك، صمدت الثقافة وتطورت وتقدمت إلى الأمام. كان الأدب لا يزال مكتوبًا والشعائر الدينية لا تزل قائمة. كان عصر الاضمحلال الثاني، بالرغم من أنه لم يكن موثق بشكل جيد مثل: الدولة الوسطى أو الحديثة، إلا أنه كان بعيد كل البعد عن مفهوم عصر الظلام.

يمكنا تفهم ادعاء الباحثون الكبار، بأن ذلك العصر كان عصر انحطاط حضاري فوضوي؛ لأن المؤرخين والكتّاب المصريين المتأخرين في عصر الدولة الحديثة صوروه على هذا النحو، فبالنسبة لهؤلاء الكتاب المصريين، كان عصر الاضمحلال الثاني عصر ضعف وفوضى عندما تُنُحِّيَ المبدأ الأساسي للحياة في مصر، وهو الانسجام (ماعت) جانبًا من قبل الغزاة الأجانب الذين أخلوا بتوازن الأرض وأغرقوا الجميع في الاضطراب. تعلق عالمة المصريات باربرا واترسون على ذلك:

لم يدم حكم الهكسوس في مصر أكثر من 100 عام بقليل، ولم يكن ذلك هو الكارثة المطلقة التي أعلنها المؤرخون المحليون في العصور اللاحقة، ولكنه كان الحافز الذي دفع مصر إلى عصرها الإمبراطوري، وأمدها بالحافز للتوسع، والأهم من ذلك بالوسائل التي تمكنها من تحقيق ذلك. كان لصدمة غزو الهكسوس تأثير مفيد على المصريين، الذين كانوا ينظرون إلى الأمم الأخرى بازدراء. كانت الكلمة المصرية التي تعني "البشر" (رِمِتش/ 𓂋 𓅓 𓏏 𓀀 /rmt) تشير فقط إلى المصريين؛ وتحدثوا عن المجموعات العرقية الأخرى بعبارات اِزْدِرَائِيّة – "الكوشيين الحقراء"، "الأسيويين البائسين. دمر الهكسوس إحساس المصريين القديم بالأمان الذي كان سائدًا منذ زمن بعيد، وأعادوا إليهم للمرة الأولى أنهم ليسوا مصونين. (60)

عندما تشير واترسون إلى "الوسائل التي تحقق بها" توسع الدولة الحديثة، فهي لا تشر فقط إلى الشعور القومي المتجدد الذي ارتفع مع هزيمة أحمس الأول للهكسوس، ولكن الأهم من ذلك هو الابتكارات والاختراعات التي أدخلها الهكسوس إلى مصر؛ ففي المجال العسكري وحده، قدم الهكسوس للمصريين العربة الحربية التي تجرها الخيول - وهو سلاح لم يكن لديهم من قبل - بالإضافة إلى القوس المركَب الذي كان يتمتع بقوة ومدى أكبر من القوس المصري الطويل، وأيضًا الخنجر البرونزي والسيف القصير.

عرّف المصريين فضلًا على ذلك، جيرانهم بطريقة غير مسبوقة، فقبل ظهور الهكسوس، كان المصريون يعدّون شعوب بلاد الشام أو النوبة أو بونت مقبولين كشركاء في التجارة، لكنهم بالتأكيد لم يكونوا مساوين للمصريين بأي شكل من الأشكال، ولم يكونوا يستحقون أن يعدّوا تهديدًا شديد الْخَطَر للحياة المصرية. أظهر الهكسوس أن أمة أخرى يمكن أن تمارس نفس القوة التي كانت تمارسها مصر بنفس الطريقة، وأن على المصريين أن يراجعوا آراءهم السابقة عن هؤلاء الآخرين. كتبت واترسون:

"ومن غزو الهكسوس جاء الإدراك بأنه إذا كان لابُدّ من منع غزو ثانٍ، فلابُدّ من إنشاء دولة عازلة في غرب آسيا؛ وتحقيقًا لهذه السياسة، اتخذ الحكام الأوائل للأسرة الثامنة عشرة التدابير التي مكّنت مصر من بَدْء عصرها الإمبراطوري." (60)

إرث عصر الاضمحلال الثاني، هو المجد الذي سيصبح الدولة الحديثة، وهو العصر الذي شهد ثروة وازدهارًا غير مسبوقين في مصر. أدى الاندفاع نحو تأمين البلاد من غزو آخر - إلى توسيع حدود مصر وجلب المزيد من الثروة المادية إلى الأرض عن طريق الغزو- إلى العصر الذي يعد الأشهر والأكثر إثارة للإعجاب في تاريخ مصر، وستنشئ الأسرة الثامنة عشرة، التي أسسها أحمس الأول، بعضًا من أشهر الآثار التي لا تنس منذ أهرامات الدولة القديمة وتوسيع حدود مصر لتصبح إمبراطورية.

نبذة عن المترجم

Mahmoud Ismael
مدرس تاريخ، ودراسات اجتماعية، وجغرافيا. حاصل على ليسانس الأداب، قسم تاريخ ومهتم بترجمة المقالات والأبحاث التاريخية.

نبذة عن الكاتب

Joshua J. Mark
جوشو مارك: مؤسس ومساهم ومدير محتوى في موسوعة التاريخ العالمي. عمل كبروفيسور في جامعة ماريست في نيويورك حيث درّس التاريخ، الفلسفة، الأدب والكتابة. سافر كثيراً وعاش في اليونان وألمانيا .

استشهد بهذا العمل

نظام التوثيق APA

Mark, J. J. (2016, October 05). عصر الاضمحلال الثاني [Second Intermediate Period of Egypt]. (M. Ismael, المترجم). World History Encyclopedia. تم استرجاعه من https://www.worldhistory.org/trans/ar/1-15058/

نظام التوثيق بنمط Chicago

Mark, Joshua J.. "عصر الاضمحلال الثاني." تمت ترجمته من قبل Mahmoud Ismael. World History Encyclopedia. آخر تعديل October 05, 2016. https://www.worldhistory.org/trans/ar/1-15058/.

التوثيق بنمط MLA

Mark, Joshua J.. "عصر الاضمحلال الثاني." تمت ترجمته من قبل Mahmoud Ismael. World History Encyclopedia. World History Encyclopedia, 05 Oct 2016, https://www.worldhistory.org/Second_Intermediate_Period_of_Egypt/. انترنت. 16 Jul 2025.