التوحيد في العالم القديم

مقال

Rebecca Denova
بواسطة ، تمت ترجمته بواسطة Mahmoud Ismael
نُشر في 17 October 2019
متوفر بلغات أخرى: الإنجليزية, صينى, الفرنسية, أسباني
X
Print Article

يُعرف التوحيد ببساطة أنه الإيمان بإله واحد، وعادة ما يوضع ذلك التعريف على النقيض التام للشرك، أي الإيمان بعدة آلهة، ومع ذلك، فكلمة التوحيد حديثة نسبيا، حيث صاغها الفيلسوف البريطاني هنري مور (1614-1687م) في منتصف القرن السابع عشر الميلادي، وهي مشتقة الكلمات اليونانية، “Monos” (واحد) “Theos” (الله)، ويشير هذا التوحيد في التقليد الغربي على وجه التحديد إلى إله الكتاب المقدس؛ إله اليهودية والمسيحية والإسلام (ويكتب دائمًا بحرف G كبير)، لكن في العالم القديم، لم يكن مفهوم التوحيد كما نفهمه اليوم؛ فكل القدماء كانوا مشركين، وربما رفعوا إلهًا واحدًا أعلى من الآخرين فيما يعرف (الهينوثية أو الوحدانية المشوبة)، لكنهم ظلوا معترفين بالتعددية الإلهية.

Creation
الخلق
Fr Lawrence Lew, O.P. (CC BY-NC-ND)

كان مفهوم الكون عند القدماء يتكون من ثلاثة عوالم: السماء (الجنة)؛ الأرض (البشر)؛ والعالم السفلي (يُعرف أحيانًا باسم الجحيم أو ببساطة "أرض الموتى")، كانت السماء هي عالم الآلهة المزدحم بمجموعة من الآلهة المتفق على تدرجهم في القوي، وكان لدى العديد من الحضارات القديمة إله مهيمن، أو ملك الآلهة، مع وجود آلهة أخرى مسؤولة عن جوانب مختلفة من الحياة، أو بمنزلة محكمة من المستشارين، أو مجرد رسل للبشر، ويمكن للعديد من هذه القُوَى أن تتجاوز (تعبر) إلى الأرض أدناها بتَجَلِّيات مختلفة، ويمكنهم أيضًا الغوص إلى العالم السفلي، و عُرفت تلك الرحلة باسم “chthonic”(قُوَى العالم السفلي)، وبمرور الوقت، أصبح يُنظر إلى بعض الآلهة الأصغر، المعروفة باسم "الشياطين"، على أنها شريرة (أَبالِيس)، ويعتقد أن هذه القُوَى قادرة على الاستحواذ علي الناس وهي سبب للأمراض والاضطرابات العقلية.

الإيمان والولاء والعقيدة

يرتبط بالمفهوم الحديث للتوحيد أيضًا مفهومين آخرين، "الاعتقاد" و "الإيمان". المشكلة في فهم الأديان في العصور القديمة ليست أنها لم تكن تؤمن بشيء أو أنها افتقرت إلى الإيمان بالآلهة والآلهات، لكن، لعدم تفصيل أو إظهاره ذلك في كثير من الأحيان بنفس الطريقة التي نفترضها الآن في أنظمتنا الدينية، فعلى عكس الطوائف المسيحية اللاحقة، لم تكن هناك عقيدة متشابهة بين مختلف الأعراق في حوض البحر المتوسط.

فلم تكن هناك سلطة مركزية (مثل الفاتيكان) لربط المعتقدات والممارسات، فطورت كل مجموعة عرقية طقوسًا وممارسات ضرورية للعبادة.

عثرنا على أقرب ما يعادل المعرفة المشتركة في أعمال هوميروس (الإلياذة؛ الأوديسة)، وهِسْيُود (ثيوغونيا والأعمال والأيام) وأساطير الشعراء كأساس لقصص الخلق والآلهة والأبطال، فلم تكن هناك سلطة مركزية (مثل الفاتيكان) لربط المعتقدات والممارسات، فطورت كل مجموعة عرقية طقوسًا وممارسات ضرورية للعبادة (تتكون من التضحيات) ذلك التقليد الذي انتقل إلى أباءهم من الآلهة، وكان من الأهمية تنفيذ هذه الطقوس دون أخطاء.

الجذور القديمة للتوحيد

حاول العلماء البحث عن الجذور القديمة للمعتقدات التوحيدية في العالم القديم، رغم حداثة مصطلح التوحيد، فعلى رأس القائمة يتربع الفرعون المصري "أخناتون" (1353-1336 ق.م)، الذي يشار إليه غالبًا باسم الموحد الأول، روج "أخناتون" عبادة الإله "آتون" رمز الشمس خلال حِقْبَة العمارنة، باعتباره أعلى أشكال العبادة، وألغى عبادة الإله "آمون رع" من "طيبة" وهو الإله المهيمن في ذلك الوقت ، ومع ذلك، فمحاولة تدمير معابد وصور وكهنة الإله "آمون رع" تدل علي وجود إيمان بهذا الإله (ونفوذه) أيضاً، لكن في الوقت نفسه، لا يوجد دليل على أن "أخناتون" اضطهد أو حاول القضاء على آلهة وآلهات الديانة المصرية الأخرى، كما أنه لم يحاول القضاء على الاحتفالات الدينية العديدة أو معتقدات الحيَاة الأُخرى في جميع أنحاء مصر.

Akhenaten and the Royal Family Blessed by Aten
اخناتون والعائلة الملكية يستمتعون بآتون
Troels Myrup (CC BY-NC-ND)

يمكنا العثور على مصدر آخر لجذور التوحيد القديم في "الزرادشتية"، التي أصبحت العبادة الرسمية في بلاد فارس القديمة، حيث روج "زرادشت" الذي كان نبيًا (يعود تاريخه إلى ما بين 1000 إلى 600 ق.م) لعبادة إله أعلى واحد، وهو "أهورامَزدا"، خالق كل شيء في الكون، ومع ذلك، انبثقت من "أهورامَزدا" ستة (قوى روحية) أصلية تدعي "امشاسفندان" بالإضافة إلى "أیزدان" (القوى المجردة) الذي يعد نقيضاً للقوى الأخرى (مثال، الحقيقة مقابل سُوْءُ الظّنّ)، كان النقيض التام "لأهورامَزدا" هي "دروج"، أو "الفوضى"، التي تم تجسيدها باسم "أنغرا ماينو"، وعلى هذا النحو، فإن وجود قوة معارضة لكل الخليقة أدى في النهاية إلى ظهور مفاهيم يهودية ومسيحية وإسلامية لاحقة عن "الشيطان"، ورغماً عن التطرف بين الخير المحض والشر المحض (أو المفهوم المعروف باسم الثنائية)، فإن الزرادشتيين المعاصرين يزعمون أنهم المنشئون الحقيقيون للتوحيد، حيث إن كل شيء نشأ من "الواحد".

مازالت اليهودية القديمة تحظى بأكبر قدر من الاهتمام لخلقها أصول التوحيد في التقليد الغربي، وفي الآونة الأخيرة، يطبق بعض العلماء مصطلح "الأحادية"، وهو نظام يعترف بوجود آلهة أخرى، لكنه يختار عبادة إله واحد فقط. تصور اليهود القدماء مثل جيرانهم تسلسلًا هرميًا للقوى في السماء: فهناك" أَبْنَاءَ اللهِ" (تكوين6)، والملائكة، ورؤساء الملائكة (رسل الله الذين ينقلون إرادة الله إلى البشر)، والشيروبيم والسارافيم، واعترف اليهود أيضًا بوجود الشياطين، مع وجود أمثلة جمة على دور "يسوع" خلال خدمته في الأناجيل كطارد للأرواح الشريرة.

حاول العلماء دائمًا تفسير الأية السادسة والعشرين من الإصحاح الأول في سفر التكوين "نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا"، "فمع من يتحدث الله؟ هل كلمة "صُورَتِنَا" هي نفس "جمع التجليل" أو "نَحْنُ الملكيَّة"؟ وقد حوت تلك التفسيرات الأفكار القديمة والقابلة للمقارنة في الثقافات القديمة بأن السماء تعكس الهياكل الاجتماعية على الأرض؛ حيث كان للملوك عادةً ديوان من المستشارين، وبالتالي كان هناك ديوان سماوي أيضًا.

فإن بإمكان اليهود أن يصلوا للملائكة والقوي الأخرى في السماء، عن طريق تقديم الذبائح لإله إسرائيل فقط.

تتمحور القصة الأساسية لفكرة أن اليهود كانوا مُوحدين حول تلقى "موسى" وصايا الله على جبل سيناء: "أَنَا الرَّبُ إِلَٰهُكَ... لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي"، يمكن في الواقع وضع ترجمة عبرية آخري للآيات "لا يوجد آلهة أخرى غيري"، وهذا يدل على وجود آلهة أخرى؛ فهي وصية لليهود بعدم عبادة أن أي آلهة أخرى، وبما أن العبادة في العالم القديم كانت تعني دائمًا تقديم التضحيات، فإن بإمكان اليهود أن يصلوا للملائكة والقوي الأخرى في السماء، عن طريق تقديم الذبائح لإله إسرائيل فقط.

تشير التوراة باستمرار إلى وجود آلهة للأمم (غير اليهود): ففي سفر التثنية (6: 14) ("لاَ تَسِيرُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى")؛ (29:18) ("يَذْهَبَ لِيَعْبُدَ آلِهَةَ تِلْكَ الأُمَمِ.")؛ (32:43) ("تَهَلَّلُوا أَيُّهَا الأُمَمُ، شَعْبُهُ، لأَنَّهُ يَنْتَقِمُ بِدَمِ عَبِيدِهِ، وَيَرُدُّ نَقْمَةً عَلَى أَضْدَادِهِ، وَيَصْفَحُ عَنْ أَرْضِهِ عَنْ شَعْبِهِ!")؛ إشعياء (36:20) ("مَنْ مِنْ كُلِّ آلِهَةِ هذِهِ الأَرَاضِي أَنْقَذَ أَرْضَهُمْ مِنْ يَدِي،؟")؛ سفر المزامير (82:1) ("اَللهُ قَائِمٌ فِي مَجْمَعِ اللهِ. فِي وَسْطِ الآلِهَةِ يَقْضِي")، في قصة خروج اليهود من مصر، يحارب الرب آلهة مصر ليبين من يتحكم في قوي الطبيعة، وهذا لا معنى له إذا لم يتم الاعتراف بوجودهم،"... وَأَصْنَعُ أَحْكَامًا بِكُلِّ آلِهَةِ الْمِصْرِيِّينَ". (خروج 12: 12).

Moses & the Parting of the Red Sea
موسى وشق البحر الأحمر
Providence Lithograph Company (Public Domain)

كان لليهود قناعة مشتركة بوجوب احترام جميع الآلهة؛ وأنه من الخطر إغضاب الآلهة الأخرى، علي الرغم من تقديمهم الذبائح لإله إسرائيل فقط، أمر سفر الخروج (28: 22) اليهود بعدم سب آلهة الأمم أبدًا "لاَ تَسُبَّ اللهَ، وَلاَ تَلْعَنْ رَئِيسًا فِي شَعْبِكَ"، ومع تدمير الهيكل اليهودي في القدس على يد الرومان في عام 70م، لم تعد التضحيات الدينية ممكنة، فبدأ زعماء اليهودية اللاحقون، والحاخامات، عملية طويلة من إعادة تفسير العبادة تركيزاً علي مفهوم "الواحد"، الأمر الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى المفهوم النهائي لوجود إله واحد فقط في الكون.

أعتقد اليهود أن أولئك الذين ماتوا لرفضهم عبادة الآلهة اليونانية في ظل اضطهاد السلوقيين (الذي نتج عنه ثورة المكابيين عام 167ق.م)، سيكافؤون بانتقالهم على الفور إلى الإله في السماء، كشهداء ("شهود").

التوحيد الفلسفي

بدأت التكهنات الفلسفية المتعلقة بالكون ومكان الإنسان فيه تنتشر في جميع أرجاء حوض البحر المتوسط، مع ظهور مدارس الفلسفة اليونانية حوالي عام 600 ق.م في مدينة "ملطية"، جمع العديد من الفلاسفة الطلاب حولهم (التلاميذ)، هؤلاء الطلاب هم الذين كتبوا فلسفاتهم في كثير من الأحيان ونقلوها إلى الجيل التالي، ارتبطت الفلسفة أيضًا بالطبقات الاجتماعية العليا، لأن الأغنياء فقط هم الذين لديهم الوقت والفراغ لتكريس هذا النوع من التعليم العالي. لم تكن الفلسفة محتجزة في برج عاجي تأملي، بل كانت، مثل الدين القديم، أسلوب حياة، وتقدم تفسيراتها الأخلاقية والروحية الخاصة بها.

طرحت مدارس (أفلاطون، وأرسطو، والرواقيين) طرقًا للتعامل مع تقلبات الحياة، مع الاهتمام بالحالة الروحية للمرء أكثر من اهتمامها بالظواهر الدنيوية، وكان التركيز على كيفية عودة الروح إلى أصولها في العالم الأعلى بعد الموت، والإتحاد مع "الله الأعلى"، فوفقاً لأفلاطون، كان هذا "الله الأعلى" غير مخلوق، وثابِت (غير قابل للتغيير)، وجوهر نقي (لا مادي، وبالتالي لا يخضع للفناء)، ومن خلال الرمزية، انبثقت خلاصات الواقع من فكر الله، مثل الضوء المنبعث من الشمعة، كما أنبثق عن هذا الإله العقل، أو مبدأ العقلانية، لتنظيم العالم المادي.

Plato
أفلاطون
Mark Cartwright (CC BY-NC-SA)

تعامل "أرسطو" (384-322 ق.م) أيضاً مع الميتافيزيقا، أو وجود جوهر الأشياء، فـــ "الله الأعلى" هو أول كل المواد، "العلة الأولي"، محرك الأفلاك، الكواكب، أما بالنسبة للرواقيين، كان الكون عبارة عن كائن حي واحد ينشط بواسطة قوة عقلانية إلهية تنظم الكون وفقًا للقانون الطبيعي، أيضاً نادوا الجميع بتقبل الخير والشر في حياتهم، وتهذيب أنفسهم لتحقيق الانسجام مع هذه القوة الإلهية في نهاية المطاف.

انتقدت العديد من المدارس الفلسفية الأساطير اليونانية التقليدية وخصوصاً قضية التجسيم (تخصيص خصائص بشرية للآلهة)، على الرغم من أن القليل جدًا منها أدان التضحيات التقليدية بشكل مباشر أو دعا إلى إلغاء الطقوس التقليدية. مهدت الفلسفة من خلال فلاسفتها، في وضع وجهات نظر لاحقة حول التوحيد لكل من اللاهوتيين المسيحيين والحاخامات اليهود اللاحقين.

المسيحية

تعد رسائل "بولس" (حوالي 50-60م) أقدم دليل لدينا على وجود المجتمعات المسيحية، والتي تُظهر نفس الاعتراف اليهودي بقوى الكون، فتم قبول العديد من المظاهر الإلهية بنفس تدرجات القوة القديمة، مع وجوب عبادة إله إسرائيل فقط: "أَنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ مَا يُسَمَّى آلِهَةً، سِوَاءٌ كَانَ فِي السَّمَاءِ أَوْ عَلَى الأَرْضِ، كَمَا يُوجَدُ آلِهَةٌ كَثِيرُونَ وَأَرْبَابٌ كَثِيرُونَ" (كورنثوس الأولي 5:8)، وكثيراً ما كان بولس يهاجم آلهة الآخرين الذين أعاقوا مهمته "الَّذِينَ فِيهِمْ إِلهُ هذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ" (كورنثوس الثانية 4:4)، فوجود تلك الآلهة كان حقيقياً.

Paul the Apostle
بولس الرسول
RomanZ (CC BY-NC-SA)

تَعَقدَ مفهوم الإله الواحد رغم عن ذلك، بسبب طرح المسيحية المبكرة مفهومها عن الإله الواحد الجديد، فمنذ البداية (في تجارب ما بعد عيد فصح الرسل)، بدأ المسيحيون يدعون أنه بجانب قيامة "يسوع" من بين الأموات، فقد "رفع" أيضًا إلى السماء وأعطي مقعدًا " عَنْ يَمِينِ اللهِ." (أعمال الرسل 7:56)، وتنص رسالة بطرس الأولى (3: 21-22) على ما يلي: "الَّذِي مِثَالُهُ يُخَلِّصُنَا نَحْنُ الآنَ، أَيِ الْمَعْمُودِيَّةُ. لاَ إِزَالَةُ وَسَخِ الْجَسَدِ، بَلْ سُؤَالُ ضَمِيرٍ صَالِحٍ عَنِ اللهِ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ فِي يَمِينِ اللهِ، إِذْ قَدْ مَضَى إِلَى السَّمَاءِ، وَمَلاَئِكَةٌ وَسَلاَطِينُ وَقُوَّاتٌ مُخْضَعَةٌ لَهُ".

كان أتباع "يسوع" الأوائل متفقين مع التعاليم اليهودية بأن الذبائح لا يمكن تقديمها إلا لإله إسرائيل حتى دمار الهيكل في القدس، نحن نعلم أيضًا أن هؤلاء الأتباع الأوائل بدأوا في إدراج أركان أخرى للعبادة مرتبطة بيسوع مثل: تعميد الناس باسم "يسوع"؛ شفاء وطرد الشياطين باسمه؛ التوسع في مفهوم مغفرة الخطايا باسمه؛ صلوات وتراتيل إلى "يسوع"،

عُثر على ترنيمة مبكرة قالها بولس لأهل فيلبي (2: 6-11): "الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا للهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ.وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ".

إن عبارة "لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ" تعني العبادة، وفقًا لمفهوم قديم يتمثل في السجود أمام صور الآلهة المختلفة، ففكرة أن يسوع كان موجودًا مسبقًا في السماء قبل أن يظهر كإنسان على الأرض تم تعزيزها في "إنجيل يوحنا"، حيث يبدأ بالادعاء أن "يسوع" هو الكلمة الذي اتخذ جسدًا ليعلمنا عن الله والخلاص، تم تقديس هذه الفكرة لاحقًا باسم "تجسد يسوع".

الطريق إلى الثالوث

اعتمد الوثنيون السابقون خلال تحولهم إلى المسيحية، على المفهوم اليهودي المتمثل في رفض عبادة الآلهة الأخرى، مما أدي إلى اضطهاد الإمبراطورية الرومانية لهم، لان هذا الرفض يُفهم على أنه خيانة للإمبراطورية؛ وعدم استرضاء الآلهة يعني أنهم لا تريدون ازدهار الإمبراطورية وذلك يؤدي إلى الكوارث، وكانت عقوبة الخيانة دائماً هي الإعدام، لذلك أُعدم المسيحيون في ساحات القتال.

ناشد العديد من الكتاب المسيحيين الأباطرة بضرورة منحهم نفس الاستثناء في مسألة التضحيات التقليدية التي قدمت لليهود (في عهد يوليوس قيصر)، وادعى المسيحيون أيضاً أنهم "اليهود الحقيقيون"، وليسوا ديانة جديدة، مستخدمين الرمزية التي في التوراة لإثبات أن لديهم جذور قديمة، وزعموا أيضاً أنه في كل مكان يُذكر فيه "الله"، فهو في الواقع شكل من أشكال المسيح الموجود مسبقًا، فنياً، أرادوا القول إنهم مثل اليهود، يعبدون إلهًا واحدًا فقط، وكان رد روما الدائم بأن المسيحيين ليسوا مختونين، وبالتالي ليسوا يهودًا.

Holy Trinity
الثالوث المقدس
Fr Lawrence Lew, O.P. (CC BY-NC-ND)

أصبح الإمبراطور "قسطنطين" في عام 312م، مسيحيًا وأضفى الشرعية على المسيحية فتوقف الاضطهاد. ورغما عن ذلك، لا يزال المفكرون المسيحيون يناقشون العَلاقة بين الله ويسوع، فبدأ "آريوس"، وهو كاهن في كنيسة الإسكندرية، يقول إنه إذا كان "الله" قد خلق كل شيء في الكون، فلا بد أنه في وقت ما قد خلق "المسيح"، وهذا يعني أن "المسيح" كان أقل من "لله" وغير مساوي له في الجوهر والأبدية، فاندلعت أعمال شغب بسبب مقالته تلك في "الإسكندرية" ومدن الإمبراطورية الأخرى.

عقد "مجمع نيقية الأول" 325م لتسوية هذه المسألة؛ وقرر أن "الله" و"المسيح" متطابقان في الجوهر وأن "المسيح" هو ظهور "الله" نفسه على الأرض، وظهر قانون الإيمان النيقي:

" بالحقيقة نؤمن بإله واحد، الله الآب، ضابط الكل، خالق السماء والأرض، ما يُرَى وما لا يرى. نؤمن برب واحد يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساو للآب في الجوهر، الذي به كان كل شئ. هذا الذي من أجلنا نحن البشر، ومن أجل خلاصنا، نزل من السماء، وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء، وتأنس، وصلب عنا على عهد بيلاطس البنطي. وتألم وقبر وقام من بين الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب، وصعد إلى السموات، وجلس عن يمين أبيه، وأيضا يأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات، الذي ليس لملكه انقضاء. نعم نؤمن بالروح القدس، الرب المحيي المنبثق من الآب، نسجدُ له ونُمجده مع الآب والابن. الناطق في الأنبياء، وبكنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية، ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا، وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي. آمين".

رُوجع قانون الإيمان هذا عدة مرات خلال العقود التالية، وأصبحت النسخة المختصرة منه شائعة ومعروفة باسم "قانون إيمان الرسولي"، يدعي مفهوم الثالوث أن الله واحد، ولكن بثلاثة مظاهر أو شخصيات أو اقانيم: الآب والابن والروح القدس.

بدأ المسيحيون يجتمعون عند مقابر الشهداء للصلاة عليهم، تشبهاً بأفكار طوائف الأبطال اليهودية واليونانية. جمعت عبادة القديسين بين الاستشهاد اليهودي وعبادة الأبطال اليونانيين القدماء، حيث كان الناس يتجمعون عند مقابر الأبطال، تم استيعاب المفهوم اليوناني الروماني للآلهة والآلهات الراعية لمجموعة عرقية معينة أو بلدة معينة في القديسين المسيحيين في السماء، الذين أصبحوا وسطاء بين البشر والله.

الإسلام

ظهر النبي محمد في القرن السادس الميلادي، فيما نعرفه اليوم "بالمملكة العربية السعودية"، والذي بُني الإسلام علي يده، وهو في الأساس مصلحًا، ادعي أن اليهودية والمسيحية قد أُفسدتا بالتعاليم الكاذبة، وباستخدام الكتب المقدسة اليهودية، أكد على وحدانية الرب (الله)؛ إن الجمع بين الله وأي قوة أخرى يعتبر شركًا أي عبادة أصنام. ومع ذلك، فإن الإسلام يعترف بتدرج القوي الإلهية.

خلق "الله" ثلاثة أنواع من الكائنات الذكية: الملائكة، والجن (معادل الشياطين)، والبشر، ولم يكن للملائكة إرادة حرة (هم عقل محض) وبالتالي لا يمكنهم أن يخطئوا، لكن الجن والإنس يمكنهم الاختيار بين الخير والشر، وعندما خلق الله آدم، أمر جميع الملائكة بالسجود له، لكن أحد الملائكة، إبليس (الشيطان)، رفض أن يفعل ذلك فوعد بالنار جزاء له، لكن الله سمح له بإغواء البشر، لكن سلطانه سيتلاشى في نهاية المطاف يوم القيامة.

Hagia Sophia Interior
داخل آيِّا صوفيّا
Mark Cartwright (CC BY-NC-SA)

انقسم أتباع محمد إلى مجموعتين رئيسيتين بعد موته بسبب الخلاف حول خلافته، أولئك الذين دعموا ابن عمه وصهره "علي" أصبحوا الشيعة، بينما الأغلبية عرفت بالسنة، فالشيعة يكرمون دعاتهم العظماء وأئمتهم بنفس نوع الحج وطقوس مقابر القديمة، بينما يدعي أهل السنة أن هذا يعادل تبجيل المسيحيين للقديسين ويمس بوحدانية الله.

ساهمت عناصر كثيرة على مر القرون، فيما أصبح في نهاية المطاف المفهوم الغربي الحديث للتوحيد، بينما المفارقة تكمن في إعلان أن الله واحداً، ومع ذلك ندرك أن الله ليس وحده.

قائمة المصادر والمراجع

موسوعة التاريخ العالمي هي إحدى شركات Amazon Associate وتحصل على عمولة على مشتريات الكتب المؤهلة.

نبذة عن المترجم

Mahmoud Ismael
مدرس تاريخ مهتم بترجمة المقالات والأبحاث التاريخية.

نبذة عن الكاتب

Rebecca Denova
الدكتورة ريبيكا آي. دينوفا، محاضرة بداول كامل في جامعة بيتسبرغ حيث تدرس المسيحية المبكرة في قسم الدرسات الدينية. وأنهت مؤخرا كتابها: "ديانات اليونان وروما" لدرا نشر (وايلي بلاكويل).

استشهد بهذا العمل

نمط APA

Denova, R. (2019, October 17). التوحيد في العالم القديم [Monotheism in the Ancient World]. (M. Ismael, المترجم). World History Encyclopedia. تم استرجاعها من https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-1454/

أسلوب شيكاغو

Denova, Rebecca. "التوحيد في العالم القديم." تمت ترجمته بواسطة Mahmoud Ismael. World History Encyclopedia. آخر تعديل October 17, 2019. https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-1454/.

أسلوب إم إل إيه

Denova, Rebecca. "التوحيد في العالم القديم." تمت ترجمته بواسطة Mahmoud Ismael. World History Encyclopedia. World History Encyclopedia, 17 Oct 2019. الويب. 09 Oct 2024.