المنظور الشرقي لمفهوم الثالوث

مقال

John S. Knox
بواسطة ، تمت ترجمته بواسطة Mahmoud Ismael
نُشر في 27 July 2016
X
translations icon
متوفر بلغات أخرى: الإنجليزية

يتجاهل المجتمع الغربي، في كثير من الأحيان، وبشكل خاطئ المنظور الشرقي للثالوث خلال دراسته لتاريخ الكنيسة، وهذا أمر مؤسف، لأن رجال على غرار غريغوريوس النزينزي (329م-390م) ويوحنا الدمشقي (676م-749م) قدموا مفاهيم متبصرة خلال القرون الأولى للمسيحية المبكرة تتعلق بالفهم اللاهوتي للأقانيم الثلاثة في النصوص الكتابية العبرية واليونانية. سعى كل من غريغوريوس ويوحنا في أعمالهما الأدبية إلى الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالتساوي بين الأقانيم الثلاثة، والجوانب المميزة لكل أقنوم، وأصول وانبثاق الابن والروح القدس، وكذلك التفاعل والتأثير بين تلك الأقانيم.

Holy Trinity
الثالوث المقدس
Fr Lawrence Lew, O.P. (CC BY-NC-ND)

تتعلق بعض الأمثلة الرائعة لإسهامات غريغوريوس ويوحنا العقائدية بتساوي الروح القدس مع الآب والابن. كما تقول شاهينيدو:

"استعار آباء الكنيسة الشرقية الفعل والاسم من الفيلسوف اليوناني أناكسوغوراس، حيث يعنيان الإنبثاق، والدَوَرَان باعتباره تمايزًا كونيًا، وترتيبًا، واستمرارًا، وتمديدًا. يعني مصطلح "/περιχώρησιςالدَوَرَان" عَلاقة مُتساوية بين الأقانيم الثلاثة في جوهر الله. (552م-553م)"

لا تزل تفسيرات هؤلاء اللاهوتيين القدماء ذات قيمة في فهم تطور الفكر الثالوثي الذي بدأ في القرنين الرابع والخامس الميلادي، على الرغم من عدم شموليتها تمامًا.

غريغوريوس النزينزي والروح القدس

يجادل غريغوريوس النزينزي عن ألوهية الروح القدس، في عمله، الخطب اللاهوتية الخامسة حول الروح القدس. يقدم النزينزي تصوره الشامل في هذه الخُطْبة، ومناقشته لأنطولوجيا -وجود- الروح القدس ووظيفته ويؤكد على تساويه داخل العائلة الإلهية، معارضًا بذلك بعض لاهوتّيي القرن الرابع الميلادي الذين اعتقدوا أن الروح القدس تابع للآب والابن (ومتفقًا مع الحِجَّة الرئيسة للآباء الكبادوكيين)، حيث يقول: "وإن كان من رُتبتي فكيف يُصيّرني إلهًا، أو كيف يوحّدنا أنا والالوهة؟" (النزينزي، الخُطْبة اللاهوتية الخامسة – عن الروح، 196).

يري غريغوريوس، أنه يجب أن يكون للروح القدس مكانة متساوية مع الأقنومين الآخرين لأنه "لم يكن خليقة، ولا صُنعَ صانع، ولا عبدًا مثلَنا، وبكلام آخر لم يكن قابلا أيّ اسم يدلّ على حِطّةٍ ونقص." (النزينزي، الخُطْبة اللاهوتية الخامسة – عن الروح، 197).

يقترح من خلال اللجوء إلى الأدلة والمنطق، أن أي فهم آخر للروح القدس هو فهم غير كتابي، و"ناقص" (النزينزي، الخُطْبة اللاهوتية الخامسة – عن الروح القدس، 198)، و"سخيف" (النزينزي، الخُطْبة اللاهوتية الخامسة – عن الروح القدس، 197)

يوحنا الدمشقي والثالوث

يدلي يوحنا الدمشقي أيضًا بدلوه في مسألة الثالوث هذه، حيث يقول في شرح الإيمان الأرثوذكسي: "لأنّ الأقانيم هم بعضهم في بعضٍ، لا على طريقة الاختلاط، بل التواجد." (الدمشقي، 10). "فبهذه الاختصاصات الأقنوميّة وحدها يتميّز أحد الاقانيم الثلاثة القدّوسة عن الآخرَين. ويتميّزون بلا انقسام في الجوهر، بل ذلك بميزة الأقنوم الخاص." (الدمشقي، 10). الروح القدس إذن هو في وحدة وعلاقة متساوية مع الآب والابن، على الرغم من أن كل أقنوم قد يركز على أدوار مختلفة، إلا أنهم ما زالوا من نفس الجوهر - وهذا يعني أن في كل شيء طبيعة وترابطًا إلهيًا.

يقدم غريغوريوس ويوحنا في ضوء توسع موقفهم من الثالوث، تحليلًا أكثر تفصيلًا للهدف والطبيعة الفريدة للثالوث، ولا سيما الروح القدس، حيث يشير غريغوريوس إليه بصفته "صانع التجديد الروحي" (النزينزي، خُطْبة العنصرة، 384)، فضلًا عن ذلك، فإن الروح القدس هو "معزي آخر، لكي تعترفوا بمساواته" (النزينزي، خُطْبة يوم العنصرة، 383)، وهي الوسيلة "التي بها يُعرف الآب ويتمجد الابن" (النزينزي، خُطْبة يوم العنصرة، 382). لدي الروح القدس رسالة مميزة تتناسب مع شخصيته ومواهبه الإلهية، ومع ذلك، فإن الروح القدس أيضًا "يشترك مع الابن في الخليقة والقيامة" (النزينزي، خُطْبة العنصرة، 384)، لذلك، كتابيًا، يشارك الروح القدس في بعض الأنشطة الفريدة (مثل تنوير وختم خلاص المؤمنين، وما إلى ذلك)، ولكنه مقترن وجوديًا مع الآب والابن، في جميع الأوقات، وفي مستويات مختلفة من المشاركة في أنشطتهما أيضًا.

John of Damascus
يوحنا الدمشقي
Seetheholyland.net (CC BY-SA)

يضيف يوحنا إلى تأكيد غريغوريوس، حين يذكر بإيجاز أن الروح القدس موجود "قيوم بأقنومه الخاص" (الدمشقي، 9). إن وجود الروح القدس هو أمر خاص وفريد من نوعه، بمعنى آخر، يركز الروح القدس بشكل رئيس على نشاط معين بالرغم من أن الأقنومين الآخرين ما زالوا مشاركين وداعمين له، ومن المفهوم أن يوحنا ما زال يؤكد أن الروح القدس موجود "غير مفترق ولا منفصل عن الآب والابن، له كل ما للآب والابن عدا اللاولادة والولادة" (الدمشقي، 9)، ومن المفارقة أن الروح القدس يتميز في وقت ما عن الأقنومين الآخرين ولكنه يتحد معهم.

عَلاقة الروح القدس والابن بالآب

يحاول يوحنا الدمشقي إدراكًا لمعضلة الخلق، أن يشرح بشكل أكبر عَلاقة الروح القدس والابن بالآب. يقترح يوحنا أن الآب هو "علّة" الابن والروح بنفس الطريقة التي يحدث بها الضوء بسبب النار، فيقول: "وعلى نحو ما نقول بأن جوهر النار سوي جوهر النور، على نحو ذلك نقول – كما يبدوا واضحًا – أن ليس جوهر الآب سوي جوهر الابن، بل هما واحد وهما الشيء نفسه." (الدمشقي، 9). الأمران مترابطان بشكل معقد ولا يمكن أحدهما دون الآخر، ومن المستحيل معرفة أين يتوقف أحدهما ويبدأ الآخر، على الرغم من اختلاف آراء البعض.

يجادل غريغوريوس النزينزي عن ألوهية الروح القدس و ويؤكد على تساويه داخل العائلة الإلهية

يقترح يوحنا في مواجهة فكرة أن الروح القدس قد ينبثق من الابن، أن الروح القدس، بهدفه وشخصيته الفريدة، "الروح القدس هو أيضًا من الآب، لكن لا بالولادة بل بالانبثاق" (الدمشقي، 11). ربما يكون يسوع قد ولد، لكن الروح القدس لم يولد، حيث يشير إلى أن القول بأن القوة ذاتها التي ساعدت في تجسد الابن يمكن أن تنبع من الابن سيكون أمرًا غير منطقي (إن لم يكن مستحيلًا).

يقول غريغوريوس، الروح ليس مجرد "إله حفيد" (النزينزي، الخُطْبة اللاهوتية الخامسة - عن الروح، 197)، فضلاً على ذلك، عندما يتحدث العهد الجديد عن "روح الابن"، يؤكد يوحنا أن اللفظ يشير إلى الاعتراف بأن الروح القدس يظهر وينتقل إلى البشرية من خلال الابن مثلما تظهر الشمس بأشعتها وإشراقها لمن يراها. أي أنه بالمعنى العميق للوحي، وليس مجرد الارتباط.

الإدراك الإنساني للربوبية

كل هذه المساهمات لفهم الثالوث هي ذات قيمة بالنسبة للاهوتيين؛ ومع ذلك، من نواحٍ عده، فإن تعاليم غريغوريوس ويوحنا (وكذلك تعاليم آخرين في المنظور الشرقي والغربي) تمثل إشكالية. إن محاولات اِستِقراءهم مفيدة للغاية في تحديد ما ليس عليه الروح القدس وبقية الأقانيم. تدور معظم الأسئلة المتصارعة التي يحللها ويناقشها غريغوريوس ويوحنا حول اختزال ألوهية الثالوث و/أو تجسيم شخصياتهم. كان هذا النهج بالنسبة لهؤلاء اللاهوتيين القدماء، بكل تأكيد تفكيرًا غير تقليدي و(شديد الْخَطَر)، لأنه يتعارض مع السوابق الكتابية اليهودية المسيحية التقليدية.

Gregory of Nazianzus
غريغوريوس النزينزي
Nick Thompson (CC BY-NC-SA)

ظل هؤلاء اللاهوتيون الشرقيون، رغمًا عن ذلك، في محاولتهم لتعريف الثالوث مقتصرين على استخدام المصطلحات البشرية في تعريفاتهم. إذا كان الآب والابن والروح القدس متسَامين وخارقين للطبيعة، فإن أي رموز مرتبطة بهم لا يمكن إلا أن تكون انعكاسًا جزئيًا لما هم عليه حقًا، وأي تعريف لهم مقيد بالتواصل البشري والمنطق. يبرهن على ذلك يوحنا الدمشقي في قوله: "فيجب أن نعلم، محن البشر لابسي هذا الجسد الكثيف، أنه لا يمكننا أ، نفهمَ أفعال اللاهوت الإلهيّة، السامية، اللاماديّة." (الدمشقي، 13).

علاوة على ذلك، إن الإدراك البشري للاهوت إذن يقتصر على ما يختبره الإنسان عن الله وما يقرأه في الكتاب المقدس عن جوهره وصفاته، وكما قال العلامة ترتليان، أبو الكنيسة اللاتينية (حوالي 155م – حوالي 240م):

"كيف نكتشف الحق دون الله؟ كيف نجد الله دون المسيح؟ كيف نعرف المسيح دون الروح القدس؟ كيف نصل إلى الروح القدس دون موهبة الإيمان الغامضة؟" (ترتليان، رسالة في النفس).

كما أعلن ويسلي، مؤسس الحركة الميثودية: "في الواقع، هل يمكن لإنسان أن يفهم الدودة؟ إذا فكيف نفترض أن الإنسان يستطيع أن يفهم الله!" (ويسلي، العظة 67).

تتأثر التجربة الإنسانية والإدراك دائمًا علاوة على ما سبق، بالثقافة المحيطة، مما قد يحول التركيز بطريقة أو بأخرى، وبناًء عليه، فإن المنظور الشرقي ذو قيمة، لكنه لا يمكن أن يشمل بشكل محيط الفكر الثالوثي بِرُمَّته لأن تفسيره محدود بسبب المؤثرات/القيود الاجتماعية والمعرفية لمختبريه كما هو الحال بالنسبة لجميع اللاهوتيين في الماضي والمستقبل.

استنتاجات

سعى كل من غريغوريوس النزينزي، ويوحنا الدمشقي بشجاعة وإصرار وعلى هذه التعقيدات، إلى الإجابة على أسئلة غاية في الصعوبة، واستكشاف مختلف الافتراضات المثيرة للجدل المتعلقة بالثالوث. قد لا تكون الاستنتاجات التي توصلوا إليها قاطعة، ولكن من خلال جهودهم لحماية الحقائق العقائدية، حاربوا كل ما عدّ فكرًا هرطوقيًا، وساعدوا بدورهم في تنبيه العالم إلى فهم منطقي وأكثر منهجية ووظيفية للعلاقة بين الآب والابن والروح القدس. إن اللاهوت الحديث مدين لهم حقًا، لأنه إلى حد بعيد، حيث أخرج غريغوريوس ويوحنا مسألة الثالوث من مجرد التخمين ونقلوها إلى عالم التأمل الأكاديمي والتدقيق والدراسة.

قائمة المصادر والمراجع

موسوعة التاريخ العالمي هي إحدى شركات Amazon Associate وتحصل على عمولة على مشتريات الكتب المؤهلة.

نبذة عن المترجم

Mahmoud Ismael
مدرس تاريخ مهتم بترجمة المقالات والأبحاث التاريخية.

نبذة عن الكاتب

John S. Knox
قام الدكتور جون س. نوكس بتدريس علم الاجتماع والتاريخ والدين لما يقرب من عقدين من الزمن في الجامعات المسيحية في شمال غرب المحيط الهادئ والساحل الشرقي. قام بتأليف 16 كتابًا حتى الآن والعديد من المقالات العلمية في علم الاجتماع والتاريخ والدين.

استشهد بهذا العمل

نمط APA

Knox, J. S. (2016, July 27). المنظور الشرقي لمفهوم الثالوث [The Eastern Perspective on the Trinity]. (M. Ismael, المترجم). World History Encyclopedia. تم استرجاعها من https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-924/

أسلوب شيكاغو

Knox, John S.. "المنظور الشرقي لمفهوم الثالوث." تمت ترجمته بواسطة Mahmoud Ismael. World History Encyclopedia. آخر تعديل July 27, 2016. https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-924/.

أسلوب إم إل إيه

Knox, John S.. "المنظور الشرقي لمفهوم الثالوث." تمت ترجمته بواسطة Mahmoud Ismael. World History Encyclopedia. World History Encyclopedia, 27 Jul 2016. الويب. 27 Apr 2024.