الصيرفة (الأعمال المصرفية) في العالم الروماني

مقال

Victor Labate
كتبه (a)، ترجمه (t)
نُشر على
متوفر بلغات أخرى: الإنجليزية, فرنسي, برتغالي, اسباني
اطبع المقال PDF

كما هو الحال في الحضارات القديمة الأخرى، بدأت مصارف روما الأولى في المعابد المُكرسة للآلهة القديمة. حيث احتفظت العديد من المعابد في أقبيتها بأموال الرومان وكنوزهم، وشاركت في أنشطة مصرفية مثل الإقراض. وشعر الرومان الأثرياء بأنها أماكن آمنة لإيداع أموالهم لأنها كانت دائمًا مأهولة بالعمال والكهنة، وتحرسها دوريات الجنود بانتظام. كان المال يُحفظ عادةً في معابد مختلفة لأسباب عملية وأمنية، إذ كان المعبد معرضًا للحريق أو النهب. كان الكهنة يتتبعون الودائع والقروض. لم تكن المعابد تدفع فوائد على الودائع، بل كانت تفرض فوائد على القروض، وكانت تشارك في صرف العملات والتحقق من صحتها. كان هناك حرفياً آلاف المعابد في جميع أنحاء الأراضي الرومانية التي كانت أيضًا بمثابة خزائن للودائع، مع العلم أنه خلال عهد الإمبراطورية، بدأ حفظ الودائع العامة تدريجيًا في خزائن ودائع خاصة. كان معبد زحل في روما يضم الآيراريوم (Aerarium)، وهو الخزانة العامة لروما. وبعض المعابد مثل معبد جونو مونيتا (Juno Moneta temple) كانت أيضًا دارًا لسك النقود.

Roman Balance Weights
أوزان رومانية
Mark Cartwright (CC BY-NC-SA)

الصيارفة الرومان (The Argentarii)

يعود ازدهار الصيرفة في العالم الروماني إلى تطور التجارة في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط، وتوسعها إلى أسواق خارجية جديدة بين القرنين الثالث قبل الميلاد والثالث الميلادي. وإلى جانب المعابد، كان صرافو العملات في المتاجر والأكشاك في الساحة العامة الرومانية (Forum) يمارسون أيضًا الأنشطة المصرفية، واكتسب دورهم أهمية أكبر أهمية مع تطور التجارة. قبل الصيارفة كان يوجد من يسمون "الترابيزيتيس" (Trapezites) (المشتقة من الكلمة اليونانية "Trapeza" التي تعني "طاولة") الذين تعاملوا مع المعاملات المصرفية في مكاتب المحاسبة في الساحة العامة الرومانية. استُبدل هذا المصطلح اليوناني لاحقًا بالمصطلحين اللاتينيين "أرجينتاري" (Argentarii) و"مينساري" (Mensarii) (المشتق من كلمة "Mensa" التي تعني "طاولة" باللاتينية).

أجرى الصيارفة (Argentarii) العديد من المعاملات بما في ذلك قبول الودائع، وإقراض الأموال، والمشاركة في المزادات، وتحديد قيمة العملات المعدنية (وكشف العملات المعدنية المزورة)، وتداول الأموال المسكوكة حديثًا.

ثلاثة أنواع من الأشخاص الذين قاموا بالأنشطة المصرفية في روما: الصيارفة (Argentarii)، والمصرفيون العموميون (Mensarii)، وفاحصو النقود (Nummularii). الصيارفة (Argentarii) الذين يُطلق عليهم أيضًا اسم عمال طاولات الفضة (Argenteae mensae exercitores) أو باعة الفضة (Argenti distractores) أو تجار العملات الفضية (Negotiatores stipis argentariae)، كانوا أفرادًا عاديين، مواطنين أحرارًا، مستقلين عن الدولة. كانوا ينتمون إلى نقابة لم تقبل سوى عددًا محدودًا من الأعضاء الجدد. وكانت الوظيفة الرئيسية للصيارفة هي استبدال العملات الأجنبية بالعملة الرومانية (permutatio). وكان لديهم متاجر أو أكشاك حول الميدان العام (وهي مواقع مملوكة للدولة أنشأها الرقباء) وتوسع دورهم بمرور الوقت ليشمل تقريبًا كل معاملة مالية بما في ذلك حيازة الأموال وإقراضها والمشاركة في المزادات وتحديد قيمة العملات المعدنية (والكشف عن العملات المعدنية المزورة) وتداول الأموال المسكوكة حديثًا. وتشبه وظيفتهم إلى حد كبير وظيفة البنوك الحديثة. كان هناك صيارفة من جميع الأنواع. حيث كان بعضهم يحظون باحترام كبير وينتمون إلى الطبقة العليا، وعادة ما يكونون هم الذين يمارسون الأعمال التجارية على نطاق واسع ولأشخاص أثرياء للغاية. في حين كان يُنظر إلى بعضهم الآخر بازدراء، وعادة ما يكونون هم الذين يتقاضون فوائد عالية ويمارسون الأعمال التجارية على نطاق صغير.

كان صرف العملات (Permutatio) يتم مقابل رسم رمزي يُعرف باسم (collybus). كما انخرط الصيارفة (Argentarii) في تداول الكمبيالات (التي كانت شائعة في اليونان): فعلى سبيل المثال كانوا يتلقون مبلغًا من المال يجب أن يؤدى في أثينا، ويسحبون كمبيالة مستحقة الدفع في أثينا من صيرفي آخر في المدينة اليونانية. وكان عليهم معرفة القيمة الدقيقة للعملة الأجنبية في أماكن وأوقات مختلفة. كما كانوا يحتفظون بالأموال المودعة من قبل أشخاص آخرين (depositum)، والتي قد تصل أحيانًا إلى مبالغ ضخمة، ويسددون المدفوعات نيابةً عن أشخاص آخرين، تمامًا كما تفعل البنوك الحديثة. وكانت المدفوعات تُدفع عندما يُبلغ صاحب المال الصيرفي بذلك أو عندما يستخدم المالك شيكًا للدفع (perscriptio). وإذا استخدم شخصان مشاركان في معاملة نفس الصيرفي كان هذا الصيرفي يُسجل (scribere) في دفاتره التي تُسمى (codices) (أو tabulae، rationes) حيث يقيد تحويل الأموال من حساب إلى آخر. كانت هذه السجلات دقيقة للغاية؛ إذ كانت تُسجل التواريخ وكل معاملة. كانت هذه السجلات تُعتبر وثائق ذات حجية كبيرة، وتُستخدم في المحاكم كأدلة دامغة. وعندما كانت الأموال تودع فقط دون فائدة، لم يكن الصيرفي يدفع عليها شيئًا، وكانت تُعرف حينها باسم (vacua pecunia)، أي "المال الخامل". أما إذا كانت الودائع مقابل فائدة يدفعها الصيرفي، فكان يمكنه استخدام هذه الأموال في معاملات مربحة أخرى (مثل إقراض المال لأشخاص آخرين).

Temple of Saturn, Rome
معبد ساتورن (Saturn)، روما
Elias Rovielo (CC BY-NC-SA)

كان الصيارفة (Argentarii) يشاركون في المزادات العلنية والمعاملات التجارية. وكانوا حاضرين دائمًا تقريبًا في المزادات العلنية نيابةً عن أشخاص آخرين، ويتلقون المدفوعات ويسجلون الأطراف المعنية والمعاملات والسلع المباعة وأسعارها. وفي المعاملات التجارية، كانوا بمثابة وكلاء لأي من الطرفين (البائع أو المشتري)، وكان بإمكانهم المشاركة في بيع كامل ممتلكات الشخص. وعندما كانت المدفوعات الكبيرة متضمنة، كان الصيارفة حاضرين دائمًا تقريبًا. كما كانوا يحددون قيمة العملات الأجنبية ويختبرون أصالتها العملية التي عرفت باسم (probatio nummorum). وفي عهد الإمبراطورية، كان الصيارفة ملزمون أيضًا بشراء العملات المسكوكة حديثًا من دور السك وتداولها بين الناس ما كان معروفًا باسم (solidorum venditio).

المصرفيون العموميون في روما: (The Mensarii)

كان المصرفيون العموميون (Mensarii) (المشتقة من كلمة mensa التي تعني "بنك" باللاتينية) مصرفيين حكوميين مرموقين، عُيّنوا من قِبَل الدولة في ظروف خاصة، عادةً في فترات الفقر العام، وخاصةً خلال فترات الحرب، وكان هدفهم مساعدة العامة على التغلب على الصعوبات الاقتصادية وتجنب الاضطرابات الاجتماعية. يُلاحظ أنه في روما القديمة، كان أبناء طبقة العامة المثقلين بالديون (nexum) عُرضة للعبودية عندما يعجزون عن الوفاء بالتزاماتهم المالية. ظهر الصيارفة العموميون (Mensarii) لأول مرة عام 352 قبل الميلاد، حيث عُيّنت لجنة من خمسة أعضاء (Quinqueviri mensarii)، وأُنشئ بنك عام لمعالجة مشكلة مديونية المواطنين. كان المواطنون القادرون على توفير الضمانات يُغطّون من الموارد العامة بواسطة هذه اللجنة. أما المواطنون غير القادرين على ذلك، فقد نقلوا ممتلكاتهم إلى الدائنين بعد تقييم موثوق من قِبَل المسؤولين الحكوميين. لاحقًا، صدر قانون عرف باسم "Lex Minucia De Triumviris Mensariis" عام 216 قبل الميلاد، والذي بموجبه عيّنت لجنة من ثلاثة أشخاص استمرت في العمل حتى عام 210 قبل الميلاد. كانت وظيفتها هي نفسها وظيفة لجنة (Quinqueviri mensarii) بل وأوسع.

كانت بعض وظائف المصرفيين العموميين (Mensarii) مطابقةً لوظيفة الصيارفة (Argentarii)، وحتى في العصور القديمة كان الناس يخلطون بينهما. على سبيل المثال، كان المصرفيون العموميون يحتفظون بالودائع (مثل رواتب الجنود)، وكانوا يحددون قيمة العملات المعدنية وأصالتها. اعتُبر دور المصرفيين العموميين إيجابيًا بشكل عام، إذ ساهموا في معالجة مشكلة الديون المفرطة في الاقتصاد الروماني. اشتهرت أسماء بعض المصرفيين العموميين (Mensarii) على نطاق واسع في العالم الروماني مثل غايوس دوليوس (Gaius Duilius)، وبوبليوس ديسيوس موس (Publius Decius Mus)، وماركوس بابيريوس (Marcus Papirius)، وكوينتوس بوبليوس (Quintus Publius)، وتيتوس إميليوس (Titus Emilius).

Roman Empire Silver Coins
عملات فضية من الإمبراطورية الرومانية
Mark Cartwright (CC BY-NC-SA)

موظفوا دار سك العملة (The Nummularii)

كان (nummularii) موظفين في دار سك العملة، وكان دورهم الرئيسي اختبار جودة العملات الجديدة. كانوا يديرون بنكًا مسؤولًا عن إدراج العملات الجديدة في التداول، ويتولون استبدال العملات القديمة أو الأجنبية بعملات جديدة. وكما هو الحال مع الصيارفة (argentarii) والمصرفيين العموميين (mensarii)، كانوا يختبرون أصالة العملات، خاصةً عند التعامل بمبالغ كبيرة. وكانت العديد من وظائفهم مماثلة لمهام الصيارفة: فقد كانوا يصرفون النقود لحسابهم الخاص، ويحفظون الودائع، ويقرضون الأموال، ويسددون المدفوعات نيابةً عن عملائهم، وينفذون عمليات البيع - وخاصةً مزادات بيع الأملاك وفقًا لوصية متوفى - وينفذون المدفوعات الخارجية من خلال مصرفيين محليين، ويحتفظون بدفاتر (codex) يمكن استخدامها كإثبات في المحاكم.

خاتمة

كانت المعابد، إلى جانب كونها أماكن عبادة في البداية، خزائن لإيداع الأموال وإجراء معظم المعاملات المصرفية. ومع نمو التجارة في العالم الروماني، اضطلع الصيارفة الرومان، المعروفون باسم "argentarii"، بدورٍ أكثر أهمية في الأنشطة المصرفية. كان دورهم مشابهًا جدًا لدور المصرفيين المعاصرين، إذ شاركوا في مجموعة واسعة من الوظائف المصرفية. أما المصرفيون العموميون "mensarii" فكانوا مصرفيين عموميين تُعيّنهم الدولة في فترات الفقر العام، مسؤولين عن حل مشكلة مديونية المواطنين. كانوا يشبهون إلى حدٍ ما "البنوك الرديئة" التي أُنشئت في الوقت الحاضر، وغالبًا ما كانت تُدار بأموال عامة لمعالجة مشكلة القروض المتعثرة في الاقتصاد. أما موظفي دار سك العملة "nummularii"، فكان دورهم الرئيسي تداول العملات الجديدة، وهي وظيفةٌ تقوم بها أيضًا البنوك الحديثة. في الختام، من اللافت للنظر مدى انتشار استخدام الائتمان ومدى تطور الأنشطة المصرفية وتعقيدها في العالم الروماني. حيث ساهمت المصارف بشكل كبير في تطوير التجارة والتبادل التجاري، وفي تكوين الثروة في روما القديمة.

قائمة المصادر والمراجع

موسوعة التاريخ العالمي هي شركة تابعة لشركة أمازون وتحصل على عمولة على مشتريات الكتب المؤهلة.

نبذة عن المترجم

Malek Kanhoush
كاتب مستقل، مهتم بالتاريخ، حائز على شهادة مشاركة في دورة تعليمية وتطبيقية لعلم المخطوطات وعلم إدارة الوثائق ممنوحة من قبل قسم المخطوطات والتوثيق في أبرشية حلب المارونية، تحت إشراف الخبير أستاذ العلوم الإنسانية الشرقية وعلم المخطوطات والتوثيق مكاريوس جبور.

نبذة عن الكاتب

Victor Labate
فيكتور هو أحد هواة التاريخ القديم ويقيم حاليًا في اليونان ويملك موقع Romae Vitam، وهو موقع ويب يركز على التاريخ الروماني القديم.

استشهد بهذا العمل

نظام التوثيق APA

Labate, V. (2016, November 17). الصيرفة (الأعمال المصرفية) في العالم الروماني [Banking in the Roman World]. (M. Kanhoush, المترجم). World History Encyclopedia. تم استرجاعه من https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-974/

نظام التوثيق بنمط Chicago

Labate, Victor. "الصيرفة (الأعمال المصرفية) في العالم الروماني." تمت ترجمته من قبل Malek Kanhoush. World History Encyclopedia. آخر تعديل November 17, 2016. https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-974/.

التوثيق بنمط MLA

Labate, Victor. "الصيرفة (الأعمال المصرفية) في العالم الروماني." تمت ترجمته من قبل Malek Kanhoush. World History Encyclopedia. World History Encyclopedia, 17 Nov 2016, https://www.worldhistory.org/article/974/banking-in-the-roman-world/. انترنت. 17 Jul 2025.