
ليون الأفريقي (Leo Africanus) (الحسن بن محمد بن أحمد الوزّان الفاسي الغرناطي، 1485 - 1554) دبلوماسي وتاجر جوال وعالم عرف برحلته المشهورة من تمبكتو (Timbuktu) إلى نهر النيجر وكتب "وصف أفريقيا" (La Descrittione dell'Africa, 1526). أسره قراصنة متوسطيون، وأثار إعجابهم بشدة بقدرته على التعلم وقدراته اللغوية، فأهدوه عبدًا إلى البابا ليون العاشر (Pope Leo X) (1498 - 1526)
ولد ليون الأفريقي في عائلة من رجال الدين والمحاسبين في بلاط بني نصر الغرناطيين (1238 - 1492) في أواخر أيام حكمهم لإمارة غرناطة. عُمّد حسن باسم يوحنا ليون الأفريقي، وعُرف بالإيطالية باسم (Giovanni Leone). تلقى تعليمه كعالم إسلامي وأصبح دبلوماسيًا، وسافر عبر غرب أفريقيا من القاهرة وأسوان إلى الحجاز وسوريا. كان في رحلة عودته من مصر حين أسره قراصنة متوسطيون مسيحيون وانتهى به الأمر ليصير عبدًا لبابا الفاتيكان ليون العاشر (المولود باسم جيوفاني دي ميديتشي Giovanni de’ Medici). عرض البابا ليون العاشر على حسن حريته مقابل أن يتحول إلى المسيحية.
ألهمت أبحاث وترجمات ليون الأفريقي من العربية الأفكار المعاصرة المبكرة عن أفريقيا والعالم الإسلامي. أصبح كتابه وصف أفريقيا بمثابة مخطط للمستكشفين الأوروبيين الذين يسعون إلى احتكار التجارة والموارد من شبه القارة الأفريقية. ويعتقد بعض المؤرخين أن مسرحية عطيل (Othello) (1564 - 1616) لويليام شكسبير (William Shakespeare) مستوحاة من ليون الأفريقي. انتشرت قراءة كتاب "وصف أفريقية" في أوروبا بشكل واسع، فأصبح مصدرًا ودليلًا مهمًا عن أفريقيا حتى فترة الاستعمار الأوروبي خلال القرن 19.
حسن الوزّان
كان أحمد الوزان، والد حسن الوزان، رجل دين في بلاط أبي عبد الله محمد الثاني عشر (حوالي ١٤٦٠-١٥٣٣)، المعروف في أوروبا باسم أبو عبد الله. عمل أسلاف حسن مساعدين لمُحتَسِب بلاط غرناطة، وهو قاضٍ يُشرف على تجارة التجار وحساباتهم، ويُحافظ في الوقت نفسه على الأخلاق والآداب العامة. نشأ حسن مع والده وجده تحت تأثير بلاط بني نصر. في طفولته كان يتحدث العربية في المنزل والإسبانية في الشوارع.
في عام 1492، وبعد حرب استمرت عقدًا من الزمان، سلّم أبو عبد الله إمارة غرناطة للملكين الكاثوليكيين الإسبانيين إيزابيلا الأولى ملكة قشتالة (Isabella I of Castile) (1451-1504) وفرديناند الثاني ملك أراغون (Ferdinand II, King of Aragon) (1452-1516)، مما يمثل نهاية 700 عام من الحكم الإسلامي. ربما غادرت عائلة حسن غرناطة قبل عام 1492، أو ربما بقوا حتى نهاية حروب الاسترداد. كان حسن طفلاً صغيراً عندما فرت عائلته من الاضطهاد في ظل الملوك المسيحيين الجدد كحال العديد من المهاجرين الأندلسيين، وعبروا البحر الأبيض المتوسط للاستقرار في فاس. لحسن الحظ كانت عائلة حسن على اتصال جيد مع السلطات بفضل عمه، الذي كان مستقرًا بالأصل في فاس وكان يعمل دبلوماسيًا لدى الحكام الوطاسيين في خدمة السلطان محمد الشيخ (1490-1557). فحصلوا نتيجة لذلك على منزل في حي بارز من فاس. واشترى والده أرضًا شمال جبال الريف واستأجر قلعة فوق فاس. لكن عائلات غرناطية مهاجرة أخرى شقت طريقها بصعوبة كبيرة في فاس واحتجّت علناً.
السنوات المبكرة في فاس
بدأ حسن تعليمه في مدرسة الحي حيث تعلم الأولاد قراءة وكتابة العربية وحفظ القرآن. بعد تلاوة القرآن الكريم عن ظهر قلب، تخرج إلى المدرسة الشرعية في فاس. درس أيضًا في المدرسة البوعنانية وجامعة القرويين الشهيرة، إحدى أقدم جامعات العالم، والتي أسستها عالمة إسلامية تُدعى فاطمة الفهري (ولدت حوالي عام 800) بين عامي 857 و859. شملت دروسه قواعد اللغة العربية والبلاغة، وخاصة الشعر، والفقه، والفقه الإسلامي. عمل حسن أيضًا في مستشفى فاس كموثق لمدة عامين، ليتمكن من تحصيل رسوم دراسته الجامعية.
سافر حسن عندما كان صبياً صغيرًا إلى جبال الريف وإلى أملاك عائلته خارج فاس. ورافق أيضًا والده في القوافل إلى سلسلة جبال الأطلس المتوسط. ويسجل الوزان أيضًا رحلاتٍ في شبابه إلى أماكن أبعد بكثير - إلى أرمينيا، وبابل، وآسيا الوسطى، وبلاد فارس.
بعد إتمام دراسته الرسمية، رافق عمه في رحلة دبلوماسية إلى جاو (Gao) وتمبكتو غرب أفريقيا، من المفترض أن يكون ذلك بهدف تكوين روابط مع الحكام الأثرياء والأقوياء في سلطنة سونغاي (حوالي 1460 - حوالي 1591). بعد نجاح هذه المهمة مع عمه، شرع حسن في مهمات دبلوماسية خاصة به، ممثلاً سلطان فاس إلى جانب حكام محليين آخرين. جاب مناطق واسعة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ومصر وشمال أفريقيا، والبرتغال، وتركيا العثمانية، متقناً مهاراته في الاستراتيجية العسكرية، والدبلوماسية السياسية، والمفاوضات المالية، بالإضافة إلى كونه باحثاً واسع الاطلاع. وفي صيف عام 1518، ركب حسن سفينة من القاهرة للعودة إلى فاس، لكن القراصنة نجحوا في جعل طريق رحلته ينتهي في روما بدلاً من ذلك.
التحول إلى يوحنا ليون دي ميديتشي (ليون الأفريقي)
عام 1518 قدم قراصنة مسيحيون للبابا ليون العاشر هدية كانت عبارة عن دبلوماسي وباحث مغربي كعبد. أُهدي حسن الوزان إلى الكنيسة الكاثوليكية إحياءً للاحتفال بالهجمات المربحة على سفن المسلمين العابرة للبحر الأبيض المتوسط، في وقتٍ كان فيه الأتراك العثمانيون يتربصون مهددين أوروبا.
كان علماء المسلمين يسافرون على نطاق واسع، حاملين معهم الكتب والأوراق والأقلام للدراسة والكتابة أثناء رحلاتهم البحرية، سواءً على ظهور الخيل أو في القوافل أو السفن. وكان النوع الأدبي الإسلامي المعروف باسم "الرحلة" رائدًا في العصور الوسطى لكتابات الرحلات الحديثة. وبناءً على ذلك، "في وقت متأخر من الليل على متن قارب متجه إلى قنا في النيل، كان الوزان في مقصورته يدرس على ضوء الشموع بعد نوم الجميع" عندما وقع في قبضة القراصنة. (Zemon-Davies, p.54)
بحلول أكتوبر 1518، ضجت روما بشائعات حول الدبلوماسي المسلم الذي أسره القراصنة الإيطاليون، وكان وصول حسن إلى روما متوقعًا للغاية. أصبح سجينًا في حصن الفاتيكان العريق قلعة سانت أنجيلو (Castel Sant’Angelo). كانت القلعة تضم أيضًا، بالإضافة إلى سجونها المحصنة، أماكن معيشة فاخرة منفصلة ومكتبات ومجموعات، حيث كان البابا ومستشاروه يقضون أشهر الصيف الحارة. في عام 1519، وبينما كان لا يزال سجينًا، وقّع حسن اسمه على مخطوطة من مكتبة الفاتيكان سُمح له باستعارتها. فبدلًا من حبسه في زنزانات القلعة حيث كان يُحتجز أعداء البابا، مُنح حرية وامتياز التنقل في القلعة واستخدام المكتبة.
ربما تدرب حسن على اللاتينية والإيطالية بينما كان يتصفح مكتبة الفاتيكان ومستشارو البابا يتفحصون الكتب والأوراق التي كان يحملها. خلال لقائه بالبابا ليون العاشر، ربما أعجب البابا بقدرات حسن الفكرية وأدبه في البلاط ومعرفته الواسعة بالإسلام والعالم الإسلامي - أو ربما فقط لإنقاذ ما كان سيُعتبر بالنسبة له روحًا وثنية - عرض البابا ليون العاشر على حسن الحرية والعمل كباحث في إيطاليا بشرط اعتناقه المسيحية أولًا.
كان حسن الوزان سياسيًا ودبلوماسيًا بارعًا. ومن المرجح أن عداء البابا ليون للعالم الإسلامي كان معروفًا له جيدًا. لقد أدرك التهديد الحاد الذي تمثله الإمبراطورية العثمانية. لذلك أدرك بسرعة، مثل كثيرين قبله وبعده، أن التحول عن الإسلام هو أفضل خيار له. كلف البابا ليون العاشر اثنين من أساقفته الموثوق بهم بمهمة تعليم حسن وتعليمه الطقوس الكاثوليكية: باريد غراسي (Paride Grassi) أسقف بيزارو (Pesaro) ورئيس مراسم الفاتيكان؛ ومعلم البابا السابق، جيوفاني باتيستا بونسياني (Giovanni Battista Bonciani)، أسقف كازيرتا (Caserta). كما درس حسن المخطوطات المسيحية من مكتبة الفاتيكان باللغة العربية. وقد أثار إعجاب معلميه الأوروبيين كعالم بارع وموسوعي. سيكتب الأسقف غراسي في مذكراته أن حسن كان
عالمٌ حقًّا، ... بالنسبة لما كتب بلغته قيل أنه الأكثر براعة في الفلسفة والطب، ولذلك ناظره في ذلك كثيرٌ من الفلاسفة والأطباء. وقد نال الثناء العام لتصحيحه مخطوطاتٍ باللغة العربية، فُسِّرت في كثيرٍ من مواضعها تفسيرًا خاطئًا وساذجًا وسيءَ الفهم.
(Grassi, Diarium, vol 2, 309v)
خلال قداس عيد الظهور الإلهي في 6 كانون الثاني 1520، عُمّد حسن باسم يوهانس ليون دي ميديتشي (Johannes Leo de Medici)، أي الابن المتبنى للبابا ليون العاشر. إلا أن المؤرخين يذكرونه باسم ليون الأفريقي.
أصبح ثلاثة من كبار رجال الفاتيكان عرابين لليون الإفريقي، وأشرفوا على نموه الروحي والفكري. كما رتب البابا ليون العاشر له منصبًا ذا منفعة متبادلة، حيث استطاع من خلاله الحصول على دخل مقابل خبرته في اللغة العربية والعقيدة الإسلامية والفقه، بالإضافة إلى معرفته بالمكائد السياسية للكيانات الإسلامية النافذة العاملة في منطقة البحر الأبيض المتوسط. عاش في كامبو مارزيو (Campo Marzio) بروما في كنيسة القديس أوغسطين، حيث كان أحد عرابيه، الكاردينال إيجيديو (جيلز) دا فيتربو (Cardinal Egidio (Giles) da Viterbo) رئيسًا للدير. على الرغم من أن إيجيديو كان ناقدًا للدين الإسلامي، إلا أنه كان حريصًا كغيره من أتباع الإنسانوية في عصر النهضة على التعرّف على الفكر العربي.
أعماله الأهم
تضمنت الأعمال المتبقية باللاتينية لليون الإفريقي:
- كتاب في فن القياس (De Arte Metrica Liber)
- رسائل القديس بولس باللغة العربية
- القرآن الكريم بالعربية واللاتينية، مترجم ومشروح بواسطة يوحنا غبريال من ترويل، ومنقّح ومشروح بواسطة الحسن الوزان
- قاموس عربي-عبري-لاتيني
- عن بعض المشاهير عند العرب (De Viris quibusdam Illustribus apud Arabes)
- عن بعض المشاهير عند العبرانيين (De Viris quibusdam Illustribus apud Hebraeos)
- كتاب في علم الكونيات والجغرافيا لأفريقيا (Libro de la Cosmographics et Geographica de Africa)، نُشر بعنوان وصف أفريقيا (Descrittione dell'Africa) بواسطة جيوفاني باتيستا راموزيو
ويذكر وصف أفريقيا عدة أعمال أخرى لليون الأفريقي لم تصلنا، وهي:
- اختصار تواريخ المسلمين (La brevita de le croniche mucamettani)
- العمل وفقًا لإيمان وشريعة محمد بحسب مذهب مالك (Operino in la fede et lege di Mucametto secundo la Religion di Malichi)
- سير فلاسفة العرب (Le Vite di li Philosophi arabi)
1. كتاب في فن القياس (De Arte Metrica Liber)
ترأس السكرتير البابوي أنجيلو كولوتشي (Angelo Colloci) جمعيةً في روما من عصر النهضة تبنّت الفلسفة الإنسانوية وأبدت اهتمامًا بالغًا بالدراسات العربية. وقد غذّى ليون الأفريقي المنحدر من عائلةٍ من مراقبي الوزن، شغف كولوتشي الشديد بمعرفة الأرقام العربية، سواءً لحساب الأوزان والمسافات، أو كرموزٍ في علم الأعداد وعلوم الخوارق. وقد جمع ليون الأفريقي هذه المعرفة في أحد نصوصه اللاتينية الأولى، حول فنون القياس العربية. وقد نُسخت المخطوطة الباقية عام 1527 على يد ناسخ إيطالي.
2. رسائل بولس الرسول باللغة العربية
بعد وفاة البابا ليون العاشر في كانون الأول ديسمبر 1521، عمل ليون الأفريقي مع شخصيات بارزة أخرى في إيطاليا عصر النهضة. كان أحدهم ألبرتو بيو (Alberto Pio)، أمير كاربي (Prince of Carpi) ودبلوماسي يمثل العديد من الملوك الأوروبيين لدى البابا. كان بيو مهتمًا بأرسطو وعلوم الإغريق القدماء التي وصل الكثير منها إلى أوروبا عبر الترجمات والشروح العربية. جمع مخطوطات وتحفًا أثرية باللغات العربية والعبرية والسريانية. حوالي عام 1521 كلّف ليون الأفريقي بنسخ رسائل بولس الرسول العربية. ومن المرجح أيضًا أن ليون ترجم ولخّص أعمالًا مهمة من الدراسات العربية من مجموعة الأمير.
3. القرآن بالعربية واللاتينية
في عام 152، كان ليون الأفريقي يقيم في منزل الكاردينال إيجيديو (Cardinal Egidio) (جيلز أنتونيني Giles Antonini، عضو رابطة فرسان الهيكل) في فيتربو (Viterbo)، مُعلّمًا له اللغة العربية. في عام 1518 كلفه إيجيديو بترجمة القرآن الكريم إلى اللاتينية ونسخه إلى العربية عن نسخة يوهانس غابرييل الذي من تيرويل (Johannes Gabriel of Teruel). كان يوهانس غابرييل عالمًا مسلمًا أراغونيًا من تيرويل، ويُرجّح أنه أُجبر على اعتناق المسيحية عام 1502 بعد حروب الاسترداد الإسبانية. قام ليون الذي برع في اللغة العربية أثناء دراسته في فاس، بتوضيح بعض الغموض والأخطاء في ترجمة نص يوهانس غابرييل. وسُجّلت تصحيحاته وتعليقاته في مخطوطة منقحة عام 1525.
4. قاموس عربي - عبري - لاتيني
سافر ليون الأفريقي خارج ضواحي روما مع الكاردينال إيجيديو، أولاً إلى فيتربرو (Viterbro) في الريف خارج المدينة مباشرةً، ثم إلى مدينة بولونيا في إيطاليا (Bologna) حيث تجمع أتباع الأفلاطونية الجديدة وعشاق الكابالا (Kabbalah). في عام 1523 التقى في مدينة بولونيا بالطبيب والمترجم اليهودي جاكوب مانتينو (Jacob Mantino). دعاه مانتينو للتعاون في تجميع قاموس عربي-عبري-لاتيني. كان ليون الأفريقي متحمسًا لهذا المشروع، ربما رأى فيه صلة بالتقاليد القديمة في المعاجم العربية. ساهم بـ 5500 مدخل إلى القاموس، بينما أنتج مانتينو 170 مدخلًا عبريًا و230 مدخلًا لاتينيًا. ثم أُضيف لاحقا 238 مدخلًا لاتينيًا. وقّع ليون الأفريقي القاموس باسميه العربي واللاتيني. ونُشر القاموس لأول مرة عام 1664 من قبل يوهان هاينريش هوتينجر (Johann Heinrich Hottinger).
5. عن بعض مشاهير/أعيان العرب (De Viris quibusdam Illustribus apud Arabes)
6. عن بعض مشاهير العبرانيين (De Viris quibusdam Illustribus apud Hebraeos)
هذان الكتابان، "عن بعض أعيان العرب"، مع قسم إضافي بعنوان "عن بعض أعيان اليهود"، هما نسختان صنعتا بيد ناسخ إيطالي عام 1527 من مخطوطة ليون الأفريقي المكتوبة في وقت سابق يقدر أنه حوالي 1523 - 1525. وقد صيغا بشكل تقريبي على غرار التراث الأدبي العربي المعروف باسم "الطبقات"، وهو كتابٌ يضمّ سيرًا ذاتيةً مُرتبةً موضوعيًا وزمنيًا حسب الرتبة والطبقة، مع تفاصيل عن الأنساب والولادة والوفاة والزواج والأطفال، بالإضافة إلى المساهمات المهمة في المجال العلمي وغيرها. وقد تبنى ليون الأفريقي هذا النوع الأدبي لأجل جمهوره الأوروبي، حيث كتب من الذاكرة مُغيّرًا ترتيب التفاصيل كما رآه مناسبًا.
7. كتاب في علم الكونيات والجغرافيا لأفريقيا
نُشر هذا الكتاب تحت عنوان وصف أفريقيا (Descrittione dell'Africa) من قبل جيوفاني باتيستا راموزيو (Giovanni Battista Ramusio)، وهو بلا شك أهم أعمال ليون الأفريقي. يجمع الكتاب بين الأنواع الرئيسية من الأنواع الأدبية الإسلامية، فهو في جزء منه يتبع لأدب الرحلة والجغرافيا، بالإضافة إلى مذكرات؛ ويتضمن نقاشات وتعليقات جانبية حول اللاهوت والتصوف والفقه، متبلة بحكايات شيقة واقتباسات من معجم واسع من الشعر العربي. دُون الكتاب في تسعة فصول تبدأ بمقدمة عامة تشمل المناخ والثقافة والاقتصاد والجغرافيا والسياسة أو الحكم والتنظيم الاجتماعي. وتغطي الفصول السبعة التالية الصحاري والسلاسل الجبلية والمدن والقرى في منطقة محددة من أفريقيا؛ والسكان ومساكنهم وتقاليدهم وسبل عيشهم. بمقاييس العصر الحديث ربما كان ليون الأفريقي عالمًا سياسيًا. وكما يوضح المقتطف أدناه، فقد امتلك فهمًا عميقًا لترابط الروابط السياسية والاقتصادية والمجتمعية للحفاظ على التماسك الاجتماعي:
علاوة على ذلك، يُمكن تسمية جميع من يملكون الصحاري المجاورة لمملكتي ترميزين وتونس نبلاءً وسادةً قياسًا لبقية المناطق. إذ يُقسّم حكامهم، الذين يتلقون سنويًا عائداتٍ طائلة من ملك تونس، هذه العائدات فيما بعد بين رعاياهم بهدف تجنّب كل خلاف: وبهذه الوسيلة يتحاشون كل معارضة، ويُحافظون على السلام راسخًا بينهم دون انتهاك. (Pory/Leone, p.158)
يتناول الفصل الأخير الحيوانات والطيور والمعادن والنباتات والأنهار والمجاري المائية. ومن المثير للاهتمام أنه لا يتضمن أية خرائط. وهذا إغفال صارخ إذ تشتهر كتب الرحلات والكتب الجغرافية الإسلامية بإنجازاتها في فن رسم الخرائط. إن كتابة ليون الأفريقي لأعماله الأكثر تعقيدًا وطموحًا باللغة اللاتينية لهو إنجازٌ مثيرٌ للإعجاب، ومع ذلك، يتساءل المرء عمّا إذا كان له طابعٌ مختلفٌ لو كتبه بلغته الأم، العربية.
تحتفظ مكتبة الفاتيكان بمخطوطة كتاب "علم الكونيات وجغرافيا أفريقيا" الذي كتبه جيوفاني ليون الأفريقي عام 1527. إلا أن الكتاب الذي وصل إلينا، والذي قُرئ وتُرجم في جميع أنحاء العالم، هو طبعة جيوفاني باتيستا راموسيو بعنوان "وصف أفريقيا". نُشرت عدة طبعات لاحقة من "وصف أفريقيا" في مدينة البندقية خلال العقود التالية. وظهرت ترجمات أوروبية للكتاب باللاتينية والفرنسية (1556)، والإنجليزية (1600)، والألمانية (1805). وكان للكتاب دورٌ أساسيٌ في تشكيل صورة أفريقيا في المخيلة الأوروبية.
العودة إلى تونس
في العام 1526 وخلال عمله على كتابه وصف أفريقيا، تطلع ليون الأفريقي إلى العودة إلى المغرب (شمال إفريقيا) والتخطيط لكتابه التالي. بحلول عام 1527 واجهت روما اضطرابًا كبيرًا. كانت الجيوش العثمانية قد نهبت المجر وكانت تطوق أوروبا. في هذه الأثناء، تصاعدت التوترات بين الملوك المسيحيين الأوروبيين. نهبت القوات العسكرية الألمانية والإسبانية المدن على طول الساحل الإيطالي وبحلول 6 مايو 1527، كانوا قد وصلوا إلى روما. لا يوجد دليل تاريخي ملموس على رحلة العودة إلى الوطن؛ ومع ذلك، يتفق معظم المؤرخين على أن ليون الأفريقي لا بد أنه فر عائدًا إلى شمال إفريقيا خلال هذا الوقت. في عام 1532، وجه الكاردينال إيجيديو المستشرق يوهان فيدمانشتات (Johann Widmanstadt) الذي رغب في تعلم اللغة العربية إلى ليون الأفريقي في تونس. ومن المثير للاهتمام أن ليون عاد إلى تونس وليس إلى فاس. لم تُنسب أي أعمال منشورة أخرى إلى ليون الأفريقي بعد عام 1526. يكمن إرثه في المعرفة التي قدمها باللغة اللاتينية أثناء إقامته في إيطاليا. ويرجح المؤرخون أن ليون الإفريقي/الحسن الوزان توفي في تونس حوالي عام 1554م.
ومن بين الروايات العديدة المثيرة للاهتمام عن حياة ليون الأفريقي، فإن الرواية التاريخية الخيالية التي كتبها أمين معلوف بعنوان "ليون الأفريقي" (1986)، والتي كتبت على شكل مذكرات، هي رواية آسرة اعتمدت على بحث جيد.